والدليل لعامة الفقهاء على أن العام موجب العمل بعمومه قوله تعالى: * (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم) * والاتباع لفظ خاص في اللغة بمعنى معلوم، وفي المنزل عام وخاص فيجب بهذا الخاص اتباع جميع المنزل، والاتباع إنما يكون بالاعتقاد والعمل به وليس في التوقف اتباع للمنزل، فعرفنا أن العمل واجب بجميع ما أنزل على ما أوجبه صيغة الكلام إلا ما يظهر نسخه بدليل، فقد ظهر الاستدلال بالعموم عن رسول الله (ص) وعن الصحابة رضي الله عنهم على وجه لا يمكن إنكاره، فإن النبي عليه السلام حين دعا أبي بن كعب رضي الله عنه وهو في الصلاة فلم يجبه بين له خطأه فيما صنع بالاستدلال بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول) * وهذا عام، فلو كان موجبه التوقف على ما زعموا لم يكن لاستدلاله عليه به معنى، والصحابة رضي الله عنهم في زمن الصديق حين خالفوه في الابتداء في قتال مانعي الزكاة استدلوا عليه بقوله عليه السلام: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وهو عام، ثم استدل عليهم بقوله تعالى: * (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) * فرجعوا إلى قوله وهذا عام. وحين أراد عمر رضي الله عنه أن يوظف الجزية والخراج على أهل السواد استدل على من خالفه في ذلك بقوله تعالى:
* (والذين جاؤوا من بعدهم) * وقال أرى لمن بعدكم في هذا الفئ نصيبا ولو قسمته بينكم لم يبق لمن بعدكم فيه نصيب، وهذه الآية في هذا الحكم نهاية في العموم. ولما هم عثمان رضي الله عنه برجم المرأة التي ولدت لستة أشهر استدل عليه ابن عباس فقال: أما إنها لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم، قال الله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * وقال: * (وفصاله في عامين) * فإذا ذهب للفصال عامان بقي للحمل ستة أشهر، وهذا استدلال بالعام. وحين اختلف عثمان وعلي رضي الله عنهما في الجمع بين الأختين وطئا بملك اليمين قال علي رضي الله عنه: أحلتهما قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانكم) * وحرمتهما قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) * فالأخذ بما يحرم أولى احتياطا، فوافقه عثمان في هذا، إلا أنه قال: عند تعارض الدليلين أرجح الموجب للحل باعتبار الأصل. وحين اختلف علي وابن مسعود رضي الله عنهما في المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا، فقال علي رضي الله عنه: تعتد بأبعد الأجلين، واستدل بالآيتين:
قوله تعالى: * (أربعة أشهر وعشرا) * وقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن