رد الغاصب عينه تسليم نفس الواجب عليه بالغصب، ورد المثل بعد هلاك العين إسقاط الواجب بمثل من عنده، فيسمى الأول أداء والثاني قضاء لحقه، وقد يدخل النفل في قسم الأداء على قول من يقول مقتضى الامر الندب أو الإباحة، لأنه يسلم عين ما ندب إلى تسليمه، ولا يدخل في قسم القضاء، لأنه إسقاط الواجب بمثل من عنده ولا وجوب هناك، وقد تستعمل عبارة القضاء في الأداء مجازا لما فيه من إسقاط الواجب، قال الله تعالى: * (فإذا قضيتم مناسككم) * وقال تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة) * وقد تستعمل عبارة الأداء في القضاء مجازا لما فيه من التسليم إلا أن حقيقة كل عبارة ما فسرناها به، ففي الأداء معنى الاستقصاء وشدة الرعاية في الخروج عما لزمه وذلك بتسليم عين الواجب، وليس في القضاء من معنى الاستقصاء وشدة الرعاية شئ، بل فيه إشارة إلى معنى التقصير من المأمور وذلك بإقامة مثل من عنده مقام المأمور به بعد فواته.
واختلف مشايخنا في أن وجوب القضاء بالسبب الذي وجب به الأداء أم بدليل آخر غير الامر الذي به وجب الأداء؟ (فالعراقيون يقولون وجوب القضاء بدليل آخر غير الامر الذي به وجب الأداء) لان الواجب بالامر أداء العبادة ولا مدخل للرأي في معرفة العبادة، فإذا كان نص الامر مقيدا بوقت كان عبادة في ذلك الوقت، ومعنى العبادة إنما يتحقق في امتثال الامر، وفي المقيد بالوقت لا تصور لذلك بعد فوات الوقت، عرفنا أن الوجوب بدليل مبتدأ وهو قوله تعالى في الصوم * (فعدة من أيام أخر) * وقوله عليه السلام في الصلاة: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها يوضحه أن الأداء بفعل من المأمور والفعل الذي يوجد منه في وقت غير الفعل الذي يوجد منه في وقت آخر فإذا كان الامر مقيدا بوقت لا يتناول فعل الأداء في وقت آخر، كمن استأجر أجيرا في وقت معلوم لعمل فمضي ذلك الوقت لا يلزمه تسليم النفس لإقامة العمل بحكم ذلك العقد، وهذا لان في التنصيص على التوقيت إظهار فضيلة