ما سبق والسابق ذكر نوعي الحدث، فإن قوله: * (إذا قمتم إلى الصلاة) *: أي وأنتم محدثون، ثم قال تعالى: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * ثم قال تعالى: * (وإن كنتم مرضى) * إلى قوله: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * فبدلالة محل الكلام يتبين أن المراد الجماع دون المس باليد.
وبيان الدلالة من صيغة الكلام في قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) * قال علماؤنا رحمهم الله: اللغو ما يكون خاليا عن فائدة اليمين شرعا ووضعا، فإن فائدة اليمين إظهار الصدق من الخبر فإذا أضيف إلى خبر ليس فيه احتمال الصدق كان خاليا عن فائدة اليمين فكان لغوا.
وقال الشافعي رحمه الله: اللغو ما يجري على اللسان من غير قصد، ولا خلاف في جواز إطلاق اللفظ على كل واحد منهما. ولكن ما قلناه أحق لان ما يجري على لسانه من غير قصد له اسم آخر موضوع وهو الخطأ الذي هو ضد العمد أو السهو الذي هو ضد التحفظ، فأما ما يكون خاليا عن الفائدة لمعنى في نفسه لا بحال المتكلم فليس له اسم موضوع سوى أنه لغو فحمله عليه أولى، ألا ترى إلى قوله: * (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) * يعني الكلام الفاحش الذي هو خال عن فائدة الكلام بطريق الحكمة دون ما يجري من غير قصد فإن ذلك لا عتب فيه، وقال تعالى: * (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) * وقال تعالى: * (والغوا فيه لعلكم تغلبون) * ومعلوم أن مراد المشركين التعنت أي إن لم تقدروا على المغالبة بالحجة فاشتغلوا بما هو خال عن الفائدة من الكلام ليحصل مقصودكم بطريق المغالبة دون المحاجة ولم يكن مقصودهم التكلم بغير قصد، وقال تعالى: * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) *: أي صبروا عن الجواب وذلك في الكلام الخالي عن الفائدة دون ما يجري من غير قصد، ولان فساد ما يجري من غير قصد باعتبار معنى في المحل وهو القلب الذي هو السبب الباعث على التكلم، وفساد مالا فائدة فيه باعتبار معنى في نفس الكلام فكان هو أقرب إلى الحقيقة فيحمل اللفظ عليه عند الاطلاق. وكذا اختلفوا في العقد فقال الخصم: العقد عبارة