وأما الشافعي رحمه الله فاحتج بنحو هذا أيضا ولكن على وجه يتبين به الفرق بين الأمر والنهي ويثبت به الاحتمال دون الايجاب، وذلك أن قوله افعل يقتضي مصدرا على سبيل التنكير أي افعل فعلا. بيانه في قوله طلق: أي طلق طلاقا، وإنما أثبتناه على سبيل التنكير لان ثبوته بطريق الاقتضاء للحاجة إلى تصحيح الكلام وبالمنكر يحصل هذا المقصود فيكون الثابت بمقتضى هذه الصيغة ما هو نكرة في الاثبات والنكرة في الاثبات تخص كقوله تعالى: * (فتحرير رقبة) * ولكن احتمال التكرار والعدد فيه لا يشكل، لان ذلك المنكر متعدد في نفسه. ألا ترى أنه يستقيم أن يقرن به على وجه التفسير، وتقول طلقها اثنتين أو مرتين أو ثلاثا ويكون ذلك نصبا على التفسير، ولو لم يكن اللفظ محتملا له لم يستقم تفسيره به بخلاف النهي فصيغة النهي عن الفعل تقتضي أيضا مصدرا على سبيل التنكير أي لا تفعل فعلا ولكن النكرة في النفي تعم. قال الله تعالى: * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * ومن قال لغيره لا تتصدق من مالي يتناول النهي كل درهم من ماله، بخلاف قوله تصدق من مالي فإنه لا يتناول الامر إلا الأقل على احتمال أن يكون مراده كل ماله، ولهذا قال إن مطلق الصيغة لا توجب التكرار لان ثبوت المصدر فيه بطريق الاقتضاء ولا عموم للمقتضى، يوضحه أن هذه الصيغة أحد أقسام الكلام فتعتبر بسائر الأقسام. وقول القائل: دخل فلان الدار إخبار عن دخوله على احتمال أن يكون دخل مرة أو مرتين أو مرارا، فكذلك قوله ادخل يكون طلب الدخول منه على احتمال أن يكون المراد مرة أو مرارا، ثم الموجب ما هو المتيقن به دون المحتمل.
وأما الذين قالوا في المعلق بالشرط أو المقيد بالوصف إنه يتكرر بتكرر الشرط والوصف، استدلوا بالعبادات التي أمر الشرع بها مقيدا بوقت أو حال وبالعقوبات التي أمر الشرع بإقامتها مقيدا بوصف أن ذلك يتكرر بتكرر ما قيد به. قال رضي الله عنه: والصحيح عندي أن هذا ليس بمذهب علمائنا رحمهم الله، فإن من قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق لم تطلق بهذا اللفظ إلا مرة وإن تكرر منها الدخول