فصل: السبب قال رضي الله عنه: اعلم بأن سبب الاجماع قد يكون توقيفا من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فنحو الاجماع على حرمة الأمهات والبنات، سببه قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * وأما من حيث السنة فنحو الاجماع على أن في اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية، والاجماع على أنه لا يجوز بيع الطعام المشتري قبل القبض، وما أشبه ذلك، فإن سببه السنة المروية في الباب. ومن ذلك ما يكون مستنبطا بالاجتهاد على ما هو المنصوص عليه من الكتاب أو السنة، وذلك نحو إجماعهم على توظيف الخراج على أهل السواد، فإن عمر رضي الله عنه حين أراد ذلك خالفه بلال مع جماعة من أصحابه حتى تلا عليهم قوله تعالى: * (والذين جاؤوا من بعدهم) * قال: أرى لمن بعدكم في هذا الفئ نصيبا فلو قسمتها بينكم لم يبق لمن بعدكم فيها نصيب. فأجمعوا على قوله، وسبب إجماعهم هذا الاستنباط. ولما اختلفوا في الخليفة بعد رسول الله عليه السلام قال عمر: إن رسول الله اختار أبا بكر لأمر دينكم فيكون أرضني به لأمر دنياكم. فأجمعوا على خلافته، وسبب إجماعهم هذا الاستنباط. ومنها ما يكون عن رأي نحو إجماعهم على أجل العنين، وإجماعهم على الحد على شارب الخمر على ما روي أن عمر رضي الله عنه لما شاورهم في ذلك قال علي: إنه إذا شرب هذي وإذا هذي افترى وحد المفترين في كتاب الله ثمانون جلدة. وهكذا قاله ابن عوف. وكان علي يقول: ما من أحد أقيم عليه حدا فيموت فأجد من ذلك في نفسي شيئا إلا حد الخمر فإنه ثبت بآرائنا.
فإن قيل كيف يستقيم هذا وإثبات الحد بالرأي لا يكون؟ قلنا: لا نقول إثبات أصل الحد كان بالرأي بل بالسنة وهو ما ثبت أن رسول الله (ص) أمر بالضرب بالجريد والنعال في شرب الخمر إلا أنهم بالتفحص عرفوا مقدار ما ضرب فيه رسول الله (ص) وهو أن الذين كانوا عند رسول الله (ص) يومئذ أربعون نفرا وضرب كل واحد بنعليه، فنقلوا بالرأي من النعال إلى الجلدات استدلالا بحد القذف وأثبتوا المقدار بالنص، فأجمعوا أن حد الخمر ثمانون جلدة.