ومن حكمه أنه لا يتأدى إلا بالنية لان صرف ما هو حقه من المنافع إلى أداء الواجب عليه لا يكون إلا بالنية.
ومن حكمه اشتراط تعيين النية فيه، لان منافعه لما بقيت على صفة يصلح لأداء فرض الوقت وغيره من الصلوات بها لم يتعين فرض الوقت ما لم يعينه بالنية، واشتراط تعيين الوقت لإصابة فرض الوقت حكم ثبت شرعا فلا يسقط ذلك بتقصير يكون من العبد في الأداء حتى إذا تضيق الوقت على وجه لا يسع إلا لأداء الفرض أو لا يسع له أيضا لا يسقط اعتبار نية التعيين فيه بهذا المعنى.
وأما القسم الثاني وهو ما يكون الوقت معيارا له كصوم رمضان، لان ركن الصوم هو الامساك ومقداره لا يعرف إلا بوقته فكان الوقت معيارا له بمنزلة الكيل في المكيلات.
ومن حكمه أن الامساك الذي يوجد منه في الأيام من شهر رمضان لما تعين لأداء الفرض لم يبق غيره مشروعا فيه، إذ لا تصور لأداء صومين بإمساك واحد، وما يتصور في هذا الوقت لا يفضل عن المستحق بحال فلا يكون غيره مشروعا فيه مستحقا ولا متصور الأداء شرعا.
ثم قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يستوي في هذا الحكم المسافر والمقيم، لان وجوب صوم الشهر يثبت بشهود الشهر في حق المسافر ولهذا صح الأداء، إلا أن الشرع مكنه من الترخص بالفطر لدفع المشقة عنه، فإذا ترك الترخص كان هو والمقيم سواء فيكون صومه عن فرض رمضان فتلغو نيته لتطوع أو لواجب آخر.
وأبو حنيفة رحمه الله يقول: إذا نوى المسافر واجبا آخر صح صومه عما نوى، لان انتفاء صوم آخر في هذا الزمان ليس من حكم الوجوب واستحقاق الأداء بمنافعه فذلك موجود فيما كان الوقت ظرفا له، بل هو من حكم تعينه مستحقا للأداء فيه ولا تعين في حق المسافر فهو مخير بين الأداء أو التأخير إلى عدة من أيام أخر، فلا تنفي صحة أداء صوم آخر منه بهذا الامساك، ولان الوجوب وإن ثبت في حقه ولكن الترخص بتأخير أداء الواجب ثابت في حقه أيضا وهو ما ترك الترخص حين