لا يتناول إلا ما يتناوله الأول بمنزلة اسم الجنس، وعلى هذا قال أبو حنيفة: إذا أقر بمائة درهم في موطن وأشهد شاهدين ثم أقر بمائة في موطن آخر وأشهد شاهدين كان الثاني غير الأول، ولو كتب صكا فيه إقرار بمائة وأشهد شاهدين في مجلس ثم شاهدين في مجلس آخر كان المال واحدا، لأنه حين أضاف الاقرار إلى ما في الصك صار الثاني معرفا فيتناول ما يتناوله الأول فقط، كما في قوله تعالى: * (فعصى فرعون الرسول) * ولو كان في مجلس واحد أقر مرتين فالمال واحد استحسانا، لان للمجلس تأثيرا في جمع الكلمات المتفرقة وجعلها ككلمة واحدة فباعتباره يكون الثاني معرفا من وجه، وقال أبو يوسف ومحمد في المجلسين كذلك باعتبار العادة، لان الانسان يكرر الاقرار الواحد بين يدي كل فريق من الشهود لمعنى الاستيثاق والمال مع الشك لا يجب فلاحتمال الإعادة بطريق العادة لم يلزمه إلا مال واحد.
ثم هذه النكرة تحتمل معنى العموم إذا اتصل بها دليل العموم، وذلك أنواع:
منها النكرة في موضع النفي فإنها تعم، قال تعالى: * (فلا تدعوا مع الله أحدا) * والرجل يقول: ما رأيت رجلا اليوم فإنما يفهم منه نفي هذا الجنس على العموم وهذا التعميم ليس بصيغة النكرة بل لمقتضاها، وبه تبين معنى الفرق بين النكرة في الاثبات والنكرة في النفي، لان في موضع الاثبات المقصود إثبات المنكر وفي موضع النفي المقصود نفي المنكر، فالصيغة في الموضعين تعمل فيما هو المقصود إلا أن من ضرورة نفي رؤية رجل منكر نفي رؤية جنس الرجال، فإنه بعد رؤية رجل واحد لو قال ما رأيت اليوم رجلا كان كاذبا، ألا ترى أنه لو أخبر بضده فقال رأيت اليوم رجلا كان صادقا وليس من ضرورة إثبات رؤية رجل واحد إثبات رؤية غيره، فهذا معنى قولنا: النكرة في النفي تعم وفي الاثبات تخص. ومما يدل على العموم في النكرة الألف واللام إذا اتصلا بنكرة ليس في جنسها معهود، قال تعالى:
* (إن الانسان لفي خسر) * وقال تعالى: * (والسارق والسارقة) * وقال تعالى: *