فصل وقد عمل قوم في النصوص بوجوه هي فاسدة عندنا. فمنها ما قال بعضهم إن التنصيص على الشئ باسم العلم يوجب التخصيص وقطع الشركة بين المنصوص وغيره من جنسه في الحكم لأنه لو لم يوجب ذلك لم يظهر للتخصيص فائدة وحاشا أن يكون شئ من كلام صاحب الشرع غير مفيد، وأيد هذا قوله (ص) الماء من الماء فالأنصار فهموا التخصيص من ذلك حتى استدلوا به على نفي وجوب الاغتسال بالاكسال وهم كانوا أهل اللسان. وهذا فاسد عندنا بالكتاب والسنة، فإن الله تعالى قال: * (منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) * ولا يدل ذلك على إباحة الظلم في غير الأشهر الحرم، وقال تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * ثم لا يدل ذلك على تخصيص الاستثناء بالغد دون غيره من الأوقات في المستقبل. وقال (ص): لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة ثم لا يدل ذلك على التخصيص بالجنابة دون غيرها من أسباب الاغتسال، والأمثلة لهذا تكثر. ثم إن عنوا بقولهم إن التخصيص يدل على قطع المشاركة وهو أن الحكم يثبت بالنص في المنصوص خاصة فأحد لا يخالفهم في هذا، فإن عندنا فيما هو من جنس المنصوص الحكم يثبت بعلة النص لا بعينه، وإن عنوا أن هذا التخصيص يوجب نفي الحكم في غير المنصوص فهو باطل، لأنه غير متناول له أصلا فكيف يوجب نفيا أو إثباتا للحكم فيما لم يتناوله؟ ثم سياق النص لايجاب الحكم ونفي الحكم ضده فلا يجوز أن يكون من واجبات نص الايجاب، ولان المذهب عند فقهاء الأمصار جواز تعليل النصوص لتعدية الحكم بها إلى الفروع فلو كان التخصيص موجبا نفي الحكم في غير المنصوص لكان التعليل باطلا لأنه يكون ذلك قياسا في مقابلة النص، ومن لا يجوز
(٢٥٥)