للعلم الذي هو غالب الرأي، ويبتني عليه وجوب العمل، سواء كان الخبر موافقا للقياس أو مخالفا له، فإن كان موافقا للقياس تأيد به، وإن كان مخالفا للقياس يترك القياس ويعمل بالخبر. وكان مالك بن أنس يقول يقدم القياس على خبر الواحد في العمل به، لان القياس حجة بإجماع السلف من الصحابة، ودليل الكتاب والسنة والاجماع أقوى من خبر الواحد فكذلك ما يكون ثابتا بالاجماع. ولكنا نقول: ترك القياس بالخبر الواحد في العمل به أمر مشهور في الصحابة ومن بعدهم من السلف لا يمكن إنكاره حتى يسمون ذلك معدولا به عن القياس، وعليه دل حديث عمر رضي الله عنه فإن حمل ابن مالك رضي الله عنه حين روى له حديث الغرة في الجنين قال: كدنا أن نقضي فيه برأينا فيما فيه قضاء عن رسول الله (ص) بخلاف ما قضى به. وفي رواية: لولا ما رويت لرأينا خلاف ذلك. وقال ابن عمر رضي الله عنه: كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي عليه السلام نهى عن إكراء المزارع فتركناه لأجل قوله، ولان قول الرسول (ص) موجب للعلم باعتبار أصله وإنما الشبهة في النقل عنه. فأما الوصف الذي به القياس فالشبهة والاحتمال في أصله لأنا لا نعلم يقينا أن ثبوت الحكم المنصوص باعتبار هذا الوصف من بين سائر الأوصاف، وما يكون الشبهة في أصله دون ما تكون الشبهة في طريقه بعد التيقن بأصله، يوضحه أن الشبهة هنا باعتبار توهم الغلط والنسيان في الراوي وذلك عارض، وهناك باعتبار التردد بين هذا الوصف وسائر الأوصاف وهو أصل، ثم الوصف الذي هو معنى من المنصوص كالخبر والرأي، والنظر فيه كالسماع، والقياس كالعمل به، ولا شك أن الوصف ساكت عن البيان والخبر بيان في نفسه فيكون الخبر أقوى من الوصف في الإبانة، والسماع أقوى من الرأي في الإصابة، ولا يجوز ترك القوي بالضعيف.
فأما المعروف بالعدالة والضبط والحفظ كأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما وغيرهما ممن اشتهر بالصحبة مع رسول الله (ص) والسماع منه مدة