رواه له ويروى عن راوي الأصل على قصد الترويج بعلو الاسناد، فإن هذا القصد غير محمود، فأما إذا لم يكن على هذا القصد وإنما كان على قصد التيسير على السامعين بإسقاط تطويل الاسناد عنهم، أو على قصد التأكيد بالعزم على أنه قول رسول الله عليه السلام قطعا فهذا لا بأس به، وما نقل عن الصحابة والتابعين محمول على هذا النوع. وتجوز الرواية عمن اشتهر بهذا الفعل إذا علم أنه لا يدلس إلا فيما سمعه عن ثقة، فأما إذا كان يروي عمن ليس بثقة ويدلس بهذه الصفة لا تجوز الرواية عنه بعدما اشتهر بالتدليس.
واختلف العلماء في فصل من هذا الجنس وهو أن الصحابي إذا قال أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو السنة كذا، فالمذهب عندنا أنه لا يفهم من هذا المطلق الاخبار بأمر رسول الله عليه السلام أو أنه سنة رسول الله. وقال الشافعي في القديم: ينصرف إلى ذلك عند الاطلاق، وفي الجديد قال: لا ينصرف إلى ذلك بدون البيان لاحتمال أن يكون المراد سنة البلدان أو الرؤساء، حتى قال في كل موضع قال مالك رحمه الله السنة ببلدنا كذا: فإنما أراد سنة سليمان بن بلال وهو كان عريفا بالمدينة، وعلى قوله القديم أخذ بقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه في العاجز عن النفقة إنه يفرق بينه وبين امرأته لأنه حمل قول سعيد السنة، على سنة رسول الله (ص). وكذلك أخذ بقوله في أن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية بقول سعيد فيه السنة، فحمل ذلك على سنة رسول الله عليه السلام. ولم نأخذ نحن بذلك لأنا علمنا أن مراده سنة زيد، ورجحنا قول علي وعبد الله رضي الله عنهما على قول زيد رضي الله عنه بالقياس الصحيح. وحجتنا في ذلك أن الأمر والنهي يتحقق من غير رسول الله عليه السلام كما يتحقق منه، قال تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * وعند الاطلاق لا يثبت إلا أدنى الكمال، ألا ترى أن مطلق قول العالم أمرنا بكذا لا يحمل على أنه أمر الله أنزله في كتابه نصا، فكذلك لا يحمل على أنه أمر رسول الله عليه السلام نصا لاحتمال أن يكون الآمر غيره ممن يجب متابعته. وكذلك السنة، فقد قال عليه السلام: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي وقال عليه السلام: من سن سنة حسنة فله