باب: بيان الاحكام الثابتة بظاهر النص دون القياس والرأي قال رضي الله عنه: هذه الأحكام تنقسم أربعة أقسام: الثابت بعبارة النص، والثابت بإشارته، والثابت بدلالته، والثابت بمقتضاه. فأما الثابت بالعبارة فهو ما كان السياق لأجله ويعلم قبل التأمل أن ظاهر النص متناول له، والثابت بالإشارة ما لم يكن السياق لأجله لكنه يعلم بالتأمل في معنى اللفظ من غير زيادة فيه ولا نقصان وبه تتم البلاغة ويظهر الاعجاز. ونظير ذلك من المحسوس أن ينظر الانسان إلى شخص هو مقبل عليه ويدرك آخرين بلحظات بصره يمنة ويسرة وإن كان قصده رؤية المقبل إليه فقط، ومن رمى سهما إلى صيد فربما يصيب الصيدين بزيادة حذقه في ذلك للعمل، فإصابته الذي قصد منهما موافق للعادة، وإصابة الآخر فضل على ما هو العادة حصل بزيادة حذقه ومعلوم أنه يكون مباشرا فعل الاصطياد فيهما، فكذلك هنا الحكم الثابت بالإشارة والعبارة كل واحد منهما يكون ثابتا بالنص وإن كان عند التعارض قد يظهر بين الحكمين تفاوت كما نبينه.
وبيان هذين النوعين في قوله تعالى: * (للفقراء المهاجرين) * فالثابت بالعبارة في هذه الآية نصيب من الفئ لهم لان سياق الآية لذلك، كما قال تعالى في أول الآية:
* (ما أفاء الله على رسوله) * الآية، والثابت بالإشارة أن الذين هاجروا من مكة قد زالت أملاكهم عما خلفوا بمكة لاستيلاء الكفار عليها، فإن الله تعالى سماهم فقراء والفقير حقيقة من لا يملك المال لا من بعدت يده عن المال، لان الفقر ضد الغنى والغني من يملك حقيقة المال لا من قربت يده من المال حتى لا يكون المكاتب غنيا حقيقة وإن كان في يده أموال، وابن السبيل غني حقيقة وإن بعدت يده عن المال لقيام ملكه، ومطلق الكلام محمول على حقيقته، وهذا حكم ثابت بصيغة الكلام من غير زيادة ولا نقصان، فعرفنا أنه ثابت بإشارة النص ولكن لما كان لا يتبين ذلك إلا بالتأمل اختلف العلماء فيه لاختلافهم في التأمل، ولهذا قيل: الإشارة من العبارة بمنزلة الكناية والتعريض من التصريح أو بمنزلة المشكل من الواضح، فمنه ما يكون