هذا قولا بزيادة خبره على خبر المعصوم عن الكذب. وأما من قال بأن خبر الواحد يوجب العلم فقد استدل بما روي أن النبي عليه السلام قال لمعاذ حين وجهه إلى اليمن:
ثم أعلمهم أن الله تعالى فرض عليهم صدقة في أموالهم ومراده الاعلام بالاخبار، وأما إذا لم يكن خبر الواحد موجبا للعلم للسامع لا يكون ذلك إعلاما، ولان العمل يجب بخبر الواحد ولا يجب العمل إلا بعلم، قال تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * ولان الله تعالى قال في نبأ الفاسق: * (أن تصيبوا قوما بجهالة) * وضد الجهالة العلم وضد الفسق العدالة، ففي هذا بيان أن العلم إنما لا يقع بخبر الفاسق وأنه يثبت بخبر العدل. ثم قد يثبت بالآحاد من الاخبار ما يكون الحكم فيه العلم فقط نحو عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، ورؤية الله تعالى بالابصار في الآخرة، فبهذا ونحوه يتبين أن خبر الواحد موجب للعلم. ولكنا نقول: هذا القائل كأنه خفي عليه الفرق بين سكون النفس وطمأنينة القلب وبين علم اليقين، فإن بقاء احتمال الكذب في خبر غير المعصوم معاين لا يمكن إنكاره ومع الشبهة والاحتمال لا يثبت اليقين وإنما يثبت سكون النفس وطمأنينة القلب بترجح جانب الصدق ببعض الأسباب، وقد بينا فيما سبق أن علم اليقين لا يثبت بالمشهور من الاخبار بهذا المعنى فكيف يثبت بخبر الواحد وطمأنينة القلب نوع علم من حيث الظاهر فهو المراد بقوله: (ثم أعلمهم) ويجوز العمل باعتباره كما يجوز العمل بمثله في باب القبلة عند الاشتباه، وينتفي باعتبار مطلق الجهالة لأنه يترجح جانب الصدق بظهور العدالة، بخلاف خبر الفاسق فإنه يتحقق فيه المعارضة من غير أن يترجح أحد الجانبين.
فأما الآثار المروية في عذاب القبر ونحوها فبعضها مشهورة وبعضها آحاد وهي توجب عقد القلب عليه، والابتلاء بعقد القلب على الشئ بمنزلة الابتلاء بالعمل به أو أهم، فإن ذلك ليس من ضرورات العلم، قال تعالى: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) * وقال تعالى: * (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) * فتبين أنهم تركوا عقد القلب على ثبوته بعد العلم به، وفي هذا بيان أن هذه الآثار لا تنفك عن معنى وجوب