به فكتب به أو أرسل رسولا لم يحنث، ولو تكلم به مشافهة يحنث، ولو حلف لا يخبر به فكتب أو أرسل يحنث بمنزلة ما لو تكلم به.
والدليل عليه أن الله تعالى أكرمنا بكتابه ورسوله، ثم لا يجوز لأحد أن يقول حدثني الله ولا كلمني الله، إنما ذلك لموسى عليه الصلاة والسلام خاصة كما قال تعالى: * (وكلم الله موسى تكليما) * ويجوز أن يقول أخبرنا الله بكذا أو أنبأنا ونبأنا، فلهذا كان المختار في الوجهين الأولين حدثني وفي الوجهين الآخرين أخبرني.
وأما الرخصة فيه فمما لا تكون فيه إسماع، وذلك الإجازة والمناولة، وشرط الصحة في ذلك أن يكون ما في الكتاب معلوما للمجاز له مفهوما له، وأن يكون المجيز من أهل الضبط والاتقان قد علم جميع ما في الكتاب، وإذا قال حينئذ أجزت لك أن تروي عني ما في هذا الكتاب كان صحيحا، لان الشهادة تصح بهذه الصفة، فإن الشاهد إذا وقف على جميع ما في الصك، وكان ذلك معلوما لمن عليه الحق فقال أجزت لك أن تشهد علي بجميع ما في هذا الكتاب كان صحيحا فكذلك رواية الخبر، والأحوط للمجاز له أن يقول عند الرواية أجاز لي فلان، فإن قال أخبرني فهو جائز أيضا وليس ينبغي له أن يقول حدثني، فإن ذلك مختص بالاسماع ولم يوجد. والمناولة لتأكيد الإجازة فيستوي الحكم فيما إذا وجدا جميعا أو وجدت الإجازة وحدها.
فأما إذا كان المستجيز غير عالم بما في الكتاب فقد قال بعض مشايخنا إن على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا تصح هذه الإجازة، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تصح على قياس اختلافهم في كتاب القاضي إلى القاضي وكتاب الشهادة، فإن علم الشاهد بما في الكتاب شرط في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، ولا يكون شرطا في قول أبي يوسف رحمه الله لصحة أداء الشهادة. قال رضي الله عنه: والأصح عندي أن هذه الإجازة لا تصح في قولهم جميعا إلا أن أبا يوسف استحسن هناك لأجل الضرورة، فالكتب تشتمل على أسرار لا يريد الكاتب والمكتوب إليه أن يقف عليها غيرهما وذلك لا يوجد في كتب الاخبار.