تحقق صفة الحسن للمأمور به قد ذهب بعض مشايخنا إلى أن عند إطلاق الامر يثبت النوع الثاني من الحسن ولا يثبت النوع الأول إلا بدليل يقترن به، لان ثبوت هذه الصفة بطريق الاقتضاء وإنما ثبت بهذا الطريق الأدنى على ما نبينه في باب الاقتضاء، والأدنى هو الحسن لمعنى في غيره لا لعينه. قال رضي الله عنه: والأصح عندي أن بمطلق الامر يثبت حسن المأمور به لعينه شرعا فإن الامر لطلب الايجاد وبمطلقه يثبت أقوى أنواع الطلب وهو الايجاب فيثبت أيضا أعلى صفات الحسن، لأنه استعباد فإن قوله: * (أقيموا الصلاة) * و * (اعبدوني) * هما في المعنى سواء، والعبادة لله تعالى حسنة لعينها، ولان ما يكون حسنا لمعنى في غيره فهذه الصفة له شبه المجاز لأنه ثابت من وجه دون وجه، وما يكون حسنا لعينه فهذه الصفة له حقيقة وبالمطلق تثبت الحقيقة دون المجاز، وإذا ثبت هذا قلنا: اتفق الفقهاء على ثبوت صفة الجواز مطلقا للمأمور به كما قررنا أن مقتضى الامر حسن المأمور به حقيقة وذلك لا يكون إلا بعد جوازه شرعا، ولان مقتضى مطلقه الايجاب ولا يجوز أن يكون واجب الأداء شرعا إلا بعد أن يكون جائزا شرعا، وعلى قول بعض المتكلمين بمطلق الامر لا يثبت جواز الأداء حتى يقترن به دليل. واستدلوا على هذا بالظان عند تضايق الوقت أنه على طهارة فإنه مأمور بأداء الصلاة شرعا، لا يكون جائزا إذا أداها على هذه الصفة، ومن أفسد حجه فهو مأمور بالأداء شرعا ولا يكون المؤدى جائزا إذا أداه، وهذا سهو منهم، فإن عندنا من كان عنده أنه على طهارة فصلى جازت صلاته، نص عليه في كتاب التحري فيما إذا توضأ بماء نجس فقال صلاته جائزة ما لم يعلم فإذا علم أعاده.
فإن قيل: فإذا جازت صلاته كيف تلزمه الإعادة والامر لا يقتضي التكرار؟
قلنا: المؤدى جائز حتى لو مات قبل أن يعلم لقي الله ولا شئ عليه، فأما إذا علم فقد تبدل حاله ووجوب الأداء بعد تبدل الحال لا يكون تكرارا، وتحقيقه أن الامر يتوجه بحسب التوسع، قال الله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * فإذا كان عنده أنه على طهارة يثبت الامر في حقه على حسب ما يليق بحاله، ومن ضرورته