بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي إملاء في يوم السبت سلخ شوال سنة تسع وسبعين وأربعمائة في زاوية من حصار أوزجند:
الحمد لله الحميد المجيد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، ذي البطش الشديد، والامر الحميد، والحكم الرشيد، والوعد والوعيد.
نحمده على ما أكرمنا به من ميراث النبوة، ونشكره على ما هدانا إليه بما هو أصل في الدين والمروة، وهو العلم الذي هو أنفس الأعلاق، وأجل مكتسب في الآفاق.
فهو أعز عند الكريم من الكبريت الأحمر، والزمرد الأخضر، ونثارة الدر والعنبر، ونفيس الياقوت والجوهر، من جمعه فقد جمع العز والشرف، ومن عدمه فقد عدم مجامع الخير واللطف، يقوي الضعيف، ويزيد عز الشريف، يرفع الخامل الحقير، ويمول العائل الفقير، به يطلب رضا الرحمن، وتستفتح أبواب الجنان، وينال العز في الدين والدنيا، والمحمدة في البدء والعقبى، لأجله بعث الله النبيين، وختمهم بسيد المرسلين، وإمام المتقين: محمد (ص) وعلى آله الطيبين.
وبعد فإن من أفضل الأمور، وأشرفها عند الجمهور، بعد معرفة أصل الدين، الاقتداء بالأئمة المتقدمين، في بذل المجهود لمعرفة الاحكام، فبها يتأتى الفصل بين الحلال والحرام، وقد سمي الله تعالى ذلك في محكم تنزيله الخير الكثير فقال: * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * فسر ابن عباس رضي الله عنهما وغيره الحكمة بعلم الفقه، وهو المراد بقوله عز وجل: * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * أي ببيان الفقه ومحاسن الشريعة، فقال (ص) برواية ابن عباس رضي الله عنهما: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقال عليه السلام: خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام إذا تفقهوا وإلى ذلك دعا الله الصحابة الذين هم