ثم الدليل على صحة قولنا من الكتاب قوله تعالى: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * ففي نفي التخيير بيان أن موجب الامر الالزام، ثم قال تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله) * ولا يكون عاصيا بترك الامتثال إلا أن يكون موجبه الالزام، وقال: * (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) *:
أي أن تسجد، فقد ذمه على الامتناع من الامتثال والذم بترك الواجب، وقال تعالى:
* (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) * وخوف العقوبة في ترك الواجب، ولا معنى لقول من يقول ترك الائتمار لا يكون خلافا فإن المأمور في الصوم هو الامساك ولا شك في أن ترك الائتمار بالفطر من غير عذر يكون خلافا فيما هو المأمور به.
ثم الامر يطلب المأمور بآكد الوجوه، يشهد به الكتاب والاجماع والمعقول.
أما الكتاب فقوله تعالى: * (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) * فإضافة الوجود والقيام إلى الامر ظاهره يدل على أن الايجاد يتصل بالامر، وكذلك قوله: * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * فالمراد حقيقة هذه الكلمة عندنا لا أن يكون مجازا عن التكوين كما زعم بعضهم فإنا نستدل به على أن كلام الله غير محدث ولا مخلوق، لأنه سابق على المحدثات أجمع، وحرف الفاء للتعقيب.
فبهذا يتبين أن هذه الصيغة لطلب المأمور بآكد الوجوه، والاجماع دليل عليه، فإن من أراد أن يطلب عملا من غيره لا يجد لفظا موضوعا لاظهار مقصوده سوى قوله افعل، وبهذا يثبت أن هذه الصيغة موضوعة لهذا المعنى خاصة كما أن اللفظ الماضي موضوع للمضي، والمستقبل للاستقبال، وكذلك الحال. ثم سائر المعاني التي وضعت