وما توفيقي إلا بالله عليه أتكل، وإليه أبتهل، وبه أعتصم، وله أستسلم، وبحوله أعتضد، وإياه أعتمد، فمن اعتصم به فاز بالخيرات سهمه، ولاح في الصعود نجمه.
فأحق ما يبدأ به في البيان الأمر والنهي، لان معظم الابتلاء بهما، وبمعرفتهما تتم معرفة الاحكام، ويتميز الحلال من الحرام.
باب الأمر قال رضي الله عنه: اعلم أن الامر أحد أقسام الكلام بمنزلة الخبر والاستخبار، وهو عند أهل اللسان قول المرء لغيره افعل، ولكن الفقهاء قالوا هذه الكلمة إذا خاطب المرء بها من هو مثله أو دونه فهو أمر، وإذا خاطب بها من هو فوقه لا يكون أمرا، لان الامر يتعلق بالمأمور. فإن كان المخاطب ممن يجوز أن يكون مأمور المخاطب كان أمرا، وإن كان ممن لا يجوز أن يكون مأموره لا يكون أمرا، كقول الداعي: اللهم اغفر لي وارحمني، يكون سؤالا ودعاء لا أمرا. ثم المراد بالامر يعرف بهذه الصيغة فقط ولا يعرف حقيقة الامر بدون هذه الصيغة في قول الجمهور من الفقهاء.
وقال بعض أصحاب مالك والشافعي يعرف حقيقة المراد بالامر بدون هذه الصيغة.
وعلى هذا يبتني الخلاف في أفعال رسول الله (ص) أنها موجبة أم لا؟
واحتجوا في ذلك بقوله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) *: أي عن سمته وطريقته في أفعاله، وقال تعالى: * (وما أمر فرعون برشيد) * والمراد فعله وطريقته، وقال تعالى: * (وأمرهم شورى بينهم) *: أي أفعالهم، وقال تعالى: * (وتنازعتم في الامر) *: أي فيما تقدمون عليه من الفعل، وقال تعالى: * (قل إن الامر كله لله) *