ظهور علاماته يكون فجأة وهو نادر ولا يبنى الحكم عليه، وإنما يبنى على الظاهر، بمنزلة موت المفقود، فإنه إذا لم يبق أحد من أقرانه حيا يحكم بموته باعتبار الظاهر، لان بقاءه بعد موت أقرانه نادر، فأما موته في سنة لا يكون نادرا، فيثبت احتمال الموت والحياة في هذه المدة على السواء، فلهذا كان التأخير تفويتا، وعلى هذا صوم الكفارة، والتأخير هناك لا يكون تفويتا لان تمكنه من الأداء لا يزول بمضي بعض الشهور.
فأما النوع الثاني وهو الموقت فإنه ينقسم على ثلاثة أقسام: فالأول ما يكون الوقت ظرفا للواجب بالامر ولا يكون معيارا، والثاني ما يكون الوقت معيارا له، والثالث ما هو مشكل مشتبه.
فنبدأ ببيان القسم الأول وذلك وقت الصلاة فإن الله تعالى قال: * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * ثم الوقت يكون ظرفا للأداء وشرطا له وسببا للوجوب، وبيانه أنه ظرف للأداء لصحته في أي جزء من أجزاء الوقت أدى، وهذا لان الصلاة عبادة معلومة بأركانها، فإذا لم يطول أركانها يصير مؤديا في جزء قليل من الوقت، فإذا طول منها ركنا يخرج الوقت قبل أن يصير مؤديا لها، فعرفنا أن الوقت ليس بمعيار ولكنه ظرف للأداء وهو شرط أيضا. فالأداء إنما يتحقق في الوقت والتأخير عنه يكون تفويتا، ومعلوم أن الأداء بأركان يتحقق من المؤدي قبل خروج الوقت، فعرفنا أن خروج الوقت مفوت باعتبار أنه يفوت به شرط الأداء. وبيان أنه سبب للوجوب أنه لا يجوز تعجيلها قبله، وأن الواجب تختلف صفته باختلاف الأوقات، فهذا علامة كون الوقت سببا لوجوبها، فأما ما هو الدليل على ذلك نذكره في بيان أسباب الشرائع في موضعه، ثم لا يمكن جعل جميع الوقت سببا للوجوب، لأنه ظرف للأداء، فلو جعل جميع الوقت سببا لحصل الأداء قبل وجود السبب أولا يتحقق الأداء فيما هو ظرف للأداء، فإن شهود جميع الوقت لا يكون إلا بعد مضي الوقت، فلا بد أن يجعل جزء من الوقت سببا للوجوب، لأنه ليس بين الكل والجزء الذي هو أدنى