الحديث ليس بعادة فلا فرق فيه بين أن يكون في يده أو في يد أمين آخر لم يظهر منه خيانة في مثله، وأما الصك فيكون بيد الخصم فلا يقع الامن فيه عن التغيير والتزوير، حتى إذا كان في يد الشاهد كان الجواب فيه مثل الجواب في السجل. والحاصل أنه بنى هذه الرخصة على ما يوقع الامن عن التغيير والتعديل عادة، ومحمد رحمه الله أثبت الرخصة في الصك أيضا وإن لم يكن في يده إذا علم أن المكتوب خطه على وجه لا يبقى فيه شبهة له، لان الباقي بعد ذلك توهم التغيير وله أثر بين يوقف عليه، فإذا لم يظهر ذلك فيه جاز اعتماده، فأما إذا وجد الكتاب بخط بين وهو معلوم عنده أو بخط رجل معروف موثق به فإنه يجوز له أن يقول وجدت بخط فلان كذا لا يزيد على ذلك، ثم إن كان ذلك الخط منفردا ليس معه شئ آخر فإنه لا يكون حجة، وإن كان معه غيره فذلك يوقع الامن عن التزوير بطريق العادة فيجوز اعتماده على وجه الرخصة (وهذا في الاخبار خاصة) فأما في الشهادة والقضاء فلا، لان ذلك من مظالم العباد يعتبر فيه من الاستقصاء ما لا يعتبر في رواية الاخبار واشتراط العلم فيه منصوص عليه، قال تعالى: * (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) * وقال عليه السلام للشاهد: إذا رأيت مثل هذا الشمس فاشهد وإلا فدع.
فصل: في بيان وجوه الانقطاع قال رضي الله عنه: اعلم بأن الانقطاع نوعان: انقطاع صورة، وانقطاع معنى. أما صورة الانقطاع صورة ففي المراسيل من الاخبار، ولا خلاف بين العلماء في مراسيل الصحابة رضي الله عنهم أنها حجة، لانهم صحبوا رسول الله (ص)، فما يروونه عن رسول الله عليه السلام مطلقا يحمل على أنهم سمعوه منه أو من أمثالهم، وهم كانوا أهل الصدق والعدالة، وإلى هذا أشار البراء بن عازب رضي الله عنهما بقوله: ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله (ص)، وإنما كان يحدث بعضنا بعضا، ولكنا لا نكذب.