أبي يوسف؟ فقال: لا وإنما أخذنا ذلك مذاكرة. فقال: كيف يجوز إطلاق القول بأن مذهب فلان كذا أو قال فلان كذا بهذا الطريق؟!
وهذا جهل لان تصنيف كل صاحب مذهب معروف في أيدي الناس مشهور كموطأ مالك رحمه الله وغير ذلك فيكون بمنزلة الخبر المشهور يوقف به على مذهب المصنف، وإن لم نسمع منه فلا بأس بذكره على الوجه الذي ذكرنا بعد أن يكون أصلا معتمدا يؤمن فيه التصحيف والزيادة والنقصان.
فأما بيان طرق الحفظ فهو نوعان: عزيمة ورخصة. فالعزيمة فيه أن يحفظ المسموع من وقت السماع والفهم إلى وقت الأداء، وكان هذا مذهب أبي حنيفة في الاخبار والشهادات جميعا، ولهذا قلت روايته، وهو طريق رسول الله (ص) فيما بينه للناس.
وأما الرخصة فيه أن يعتمد الكتاب إلا أنه إذا نظر في الكتاب فتذكر فهو عزيمة أيضا ولكنه مشبه بالرخصة، وإذا لم يتذكر فهو محض الرخصة على قول من يجوز ذلك، وقد بينا فيما سبق.
والأداء أيضا نوعان: عزيمة، ورخصة. فالعزيمة أن يؤدي على الوجه الذي سمعه بلفظه ومعناه، والرخصة فيه أن يؤدي بعبارته معنى ما فهمه عند سماعه، وقد بينا ذلك. ومن نوع الرخصة التدليس وهو أن يقول قال فلان كذا لمن لقيه ولكن لم يسمع منه، فيوهم السامعين أنه قد سمع ذلك منه، وكان الأعمش والثوري يفعلان ذلك، وكان شعبة يأبى ذلك ويستبعده غاية الاستبعاد حتى كان يقول: لان أزني أحب إلي من أن أدلس.
والصحيح القول الأول، وقد بينا أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك فيقول الواحد منهم قال رسول الله (ص) كذا، فإذا روجع فيه قال سمعته من فلان يرويه عن رسول الله عليه السلام، وما كان ينكر بعضهم على بعض ذلك، فعرفنا أنه لا بأس به وأن هذا النوع لا يكون تدليسا مطلقا، فإنه لا يجوز لأحد أن يسمي أحدا من الصحابة مدلسا، وإنما التدليس المطلق أن يسقط اسم من