وشئ من المعقول يشهد به، فإن الله تعالى جعل الرسول خاتم النبيين وحكم ببقاء شريعته إلى يوم القيامة وأنه لا نبي بعده، وإلى ذلك أشار رسول الله (ص) في قوله: لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من ناوأهم فلا بد من أن تكون شريعته ظاهرة في الناس إلى قيام الساعة وقد انقطع الوحي بوفاته، فعرفنا ضرورة أن طريق بقاء شريعته عصمة الله أمته من أن يجتمعوا على الضلالة فإن في الاجتماع على الضلالة رفع الشريعة وذلك يضاد الموعود من البقاء، وإذا ثبت عصمة جميع الأمة من الاجتماع على الضلالة ضاهى ما أجمعوا عليه المسموع من رسول الله (ص) وذلك موجب للعلم قطعا، فهذا مثله. وهذا معنى ما قلنا إن عند الاجتماع يحدث ما لم يكن ثابتا بالافراد، وهو نظير القاضي إذا نفذ قضاء باجتهاد فإنه يلزم ذلك على وجه لا يحتمل النقض، وإن كان ذلك فوق الاجتهاد وكان ذلك لصيانة القضاء الذي هو من أسباب الدين فلان يثبت هنا ما ادعينا صيانة لأصل الدين كان أولى.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا وقد قال رسول الله (ص): لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس وقال: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله؟
قلنا: في صحة هذا الحديث نظر هو في الظاهر مخالف لكتاب الله * (الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) * ومن كان الله وليه فهو ظاهر أبدا، ومعنى قوله يخرجهم من الظلمات إلى النور: أي من ظلمات الكفر والباطل إلى نور الايمان والحق، فذلك دليل على أن الحق ما يتفقون عليه في كل وقت، وقال تعالى: * (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) * الآية، ولو ثبت الحديث فالمراد بيان أن أهل الشر يغلبون في آخر الزمان مع بقاء الصالحين المتمسكين بالحق فيهم، والمراد بالحديث الآخر بيان الحال بين نفخة الفزع ونفخة البعث، فإن قيام الساعة عند نفخة البعث، وعند ذلك لم يبق في الأرض من بني آدم أحد حيا.
ثم الكلام بعد هذا في سبب الاجماع، وركنه، وأهلية من ينعقد به الاجماع، وشرطه، وحكمه.