فصل: في بيان أسباب الشرائع قال رضي الله عنه: اعلم بأن الأمر والنهي على الأقسام التي بيناها لطلب أداء المشروعات ففيها معنى الخطاب بالأداء بعد الوجوب بأسباب جعلها الشرع سببا لوجوب المشروعات، والموجب هو الله تعالى حقيقة لا تأثير للأسباب في الايجاب بأنفسها، والخطاب يستقيم أن يكون سببا موجبا للمشروعات إلا أن الله تعالى جعل أسبابا أخر سوى الخطاب سبب الوجوب تيسيرا للامر على العباد حتى يتوصل إلى معرفة الواجبات بمعرفة الأسباب الظاهرة، وقد دل على ما بينا قوله تعالى:
* (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * فإن الألف واللام دليل على أن المراد أقيموا الصلاة التي أوجبتها عليكم بالسبب الذي جعلته سببا لها وأدوا الزكاة الواجبة عليكم بسببها، كقول القائل أد الثمن فإنما يفهم منه الخطاب بأداء الثمن الواجب بسببه وهو البيع.
ثم أصل الوجوب في المشروعات جبر لا صنع للعبد فيه ولا اختيار، فإن الموجب هو الله تعالى تعبد العباد بما أوجبها عليهم، فكما لا صنع لهم في صفة العبودية الثابتة عليهم لا صنع لهم في أصل الوجوب، وباعتبار الأسباب التي جعلها الشرع سببا لا اختيار لهم في أصل الوجوب أيضا، كما أنه لا اختيار لهم في السبب، فأما وجوب الأداء الثابت بالخطاب لا ينفك عن اختيار يكون فيه للعبد عند الأداء، وبه يتحقق معنى العبادة والابتلاء في المؤدي، وهذا لان التكليف بقدر الوسع شرعا، وأصل الوجوب يثبت بتقرر السبب مع انعدام الخطاب بالأداء الثابت بالامر والنهي، فإن من مضى عليه وقت الصلاة وهو نائم تجب عليه الصلاة حتى يؤدى الفرض إذا انتبه، فالخطاب موضوع عن النائم، وكذلك المغمى عليه إذا لم يبق لتلك الصفة أكثر من يوم وليلة أو المجنون إذا لم يزدد جنونه على يوم وليلة يثبت حكم وجوب الصلاة