ولا بإشارته ولا بدلالته ولا بمقتضاه، لأنه ليس من جملة ما لا يستغنى عنه حتى يكون مقتضيا إياه، فإثبات النفي به بعد هذا لا يكون إلا إثبات الحكم بلا دليل والاحتجاج بلا حجة وذلك باطل على ما نثبته في بابه إن شاء الله تعالى. ونحن إذا قلنا يثبت بالمطلق حكم الاطلاق وبالمقيد حكم التقييد فقد عملنا بكل دليل بحسب الامكان، والتفاوت بين العمل بالدليل وبين العمل بلا دليل لا يخفى على كل متأمل.
ومن هذا الجنس ما قاله الشافعي رحمه الله: إن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، والنهي عن الشئ يكون أمرا بضده، وقد بينا فساد هذا الكلام فيما سبق.
ومن هذه الجملة قول بعض العلماء: إن العام يختص بسببه، وعندنا هذا على أربعة أوجه:
أحدها: أن يكون السبب منقولا مع الحكم نحو ما روي أن النبي (ص) سها فسجد، وأن ماعزا زنى فرجم، ونحو قوله تعالى: * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * وهذا يوجب تخصيص الحكم بالسبب المنقول لأنه لما نقل معه فذلك تنصيص على أنه بمنزلة العلة للحكم المنصوص، وكما لا يثبت الحكم بدون علية لا يبقى بدون العلة مضافا إليها بل البقاء بدونها يكون مضافا إلى علة أخرى.
والثاني: أن لا يكون السبب منقولا ولكن المذكور مما لا يستقل بنفسه ولا يكون مفهوما بدون السبب المعلوم به، فهذا يتقيد به أيضا نحو قول الرجل أليس لي عندك كذا فيقول بلى، أو يقول أكان من الامر كذا فيقول نعم أو أجل.
فهذه الألفاظ لا تستقل بنفسها مفهومة المعنى فتتقيد بالسؤال المذكور الذي كان سببا لهذا الجواب حتى جعل إقرارا بذلك، وباعتبار أصل اللغة بلى موضوع للجواب عن صيغة نفي فيه معنى الاستفهام، كما قال تعالى: * (ألست بربكم قالوا بلى) * ونعم جواب لما هو محض الاستفهام، قال تعالى: * (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) * وأجل تصلح لهما. وقد تستعمل بلى ونعم في جواب ما ليس باستفهام على أن يقدر فيه معنى الاستفهام، أو يكون مستعارا عنه. هذا مذهب أهل اللغة.