بحجة أصلا وترك العمل بالحجة إلى ما ليس بحجة يكون فتحا لباب الآحاد، وجعل ما هو غير متيقن به أصلا، ثم تخريج ما فيه التيقن عليه يكون فتحا لباب الأهواء والبدع وكل واحد منهما زيف مردود، وإنما سواء السبيل ما ذهب إليه علماؤنا رحمهم الله من إنزال كل حجة منزلتها، فإنهم جعلوا الكتاب والسنة المشهورة أصلا ثم خرجوا عليهما ما فيه بعض الشبهة وهو المروي بطريق الآحاد مما لم يشتهر، فما كان منه موافقا للمشهور قبلوه، وما لم يجدوا في الكتاب ولا في السنة المشهورة له ذكرا قبلوه أيضا وأوجبوا العمل به، وما كان مخالفا لهما ردوه، على أن العمل بالكتاب والسنة أوجب من العمل بالغريب بخلافه، وما لم يجدوه في شئ من الاخبار وصاروا حينئذ إلى القياس في معرفة حكمه لتحقق الحاجة إليه.
وأما القسم الثالث وهو الغريب فيما يعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته للعمل به فإنه زيف، لان صاحب الشرع كان مأمورا بأن يبين للناس ما يحتاجون إليه، وقد أمرهم بأن ينقلوا عنه ما يحتاج إليه من بعدهم، فإذا كانت الحادثة مما تعم به البلوى فالظاهر أن صاحب الشرع لم يترك بيان ذلك للكافة وتعليمهم، وأنهم لم يتركوا نقله على وجه الاستفاضة، فحين لم يشتهر النقل عنهم عرفنا أنه سهو أو منسوخ، ألا ترى أن المتأخرين لما نقلوه اشتهر فيهم، فلو كان ثابتا في المتقدمين لاشتهر أيضا وما تفرد الواحد بنقله مع حاجة العامة إلى معرفته، ولهذا لم تقبل شهادة الواحد من أهل المصر على رؤية هلال رمضان إذا لم يكن بالسماء علة، ولم يقبل قول الوصي فيما يدعي من إنفاق مال عظيم على اليتيم في مدة يسيرة، وإن كان ذلك محتملا لان الظاهر يكذبه في ذلك، وعلى هذا الأصل لم نعمل بحديث الوضوء من مس الذكر، لان بسرة تفردت بروايته مع عموم الحاجة لهم إلى معرفته. فالقول بأن النبي عليه السلام خصها بتعليم هذا الحكم مع أنها لا تحتاج إليه ولم يعلم سائر الصحابة مع شدة حاجتهم إليه شبه المحال، وكذلك خبر الوضوء مما مسته النار، وخبر