إنما تناوشوه عدد قليل من الناس ثم سائر الناس يعتمدون خبرهم أن المصلوب فلان وينظرون إليه من بعد من غير تأمل فيه ففي الطباع نفرة عن التأمل في المصلوب والحلي تتغير به أيضا فيتمكن فيه الاشتباه باعتبار هذه الوجوه، فعرفنا أنه كما لا يتحقق النقل المتواتر في قتله لا يتحقق في صلبه، والثاني أن النقل المتواتر منهم في قتل رجل علموه عيسى وصلبه، وهذا النقل موجب علم اليقين فيما نقلوه ولكن لم يكن الرجل عيسى وإنما كان مشبها به، كما قال تعالى: * (ولكن شبه لهم) * وقد جاء في الخبر أن عيسى عليه السلام قال لمن كان معه: من يريد منكم أن يلقي الله شبهي عليه فيقتل وله الجنة؟ فقال رجل: أنا، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه فقتل ورفع عيسى إلى السماء.
فإن قيل: هذا القول في نهاية من الفساد لان فيه قولا بإبطال المعارف أصلا وبتكذيب العيان، وإذا جوزتم هذا فما يؤمنكم من مثله فيما ينقل بالتواتر عن رسول الله (ص) أن السامعين إنما سمعوا ذلك من رجل كان عندهم أنه محمد (ص) ولم يكن إياه وإنما ألقى الله شبهه على غيره، ومع هذا القول لا يتحقق الايمان بالرسل لمن يعاينهم لجواز أن يكون شبه الرسل ملقى على غيرهم، كيف والايمان بالمسيح كان واجبا عليهم في ذلك الوقت فمن ألقي عليه شبه المسيح فقد كان الايمان به واجبا بزعمكم، وفي هذا قول بأن الله تعالى أوجب على عباده الكفر بالحجة فأي قول أقبح من هذا؟ قلنا. الامر ليس كما توهمتم فإن إلقاء شبه المسيح على غيره غير مستبعد في القدرة ولا في الحكمة بل فيه حكمة بالغة وهو دفع شر الأعداء عن المسيح فقد كانوا عزموا على قتله وفي هذا دفع عنه مكر والقتل بوجه لطيف، ولله لطائف في دفع الأذى عن الرسل عليهم السلام، والذين قصدوه بالقتل قد علم الله منهم أنهم لا يؤمنون به فألقى شبهه على غيره على سبيل الاستدراج لهم ليزدادوا طغيانا ومرضا إلى مرضهم، ومثل ذلك لا يتوهم في حق قوم يأتون الرسل ليؤمنوا به ويتعظوا بوعظه، فظهر أن الفاسد قول من يقول بأن هذا يؤدي إلى إبطال المعارف والتكذيب بالرسل، ويرد ظاهر قوله تعالى: * (ولكن شبه لهم) * وبيان أن هذا غير مستبعد