وإنما طريق معرفة المجاز الوقوف على مذهب العرب في الاستعارة دون السماع بمنزلة القياس في أحكام الشرع، فإن طريق تعدية حكم النص إلى الفروع معلوم وهو التأمل في معاني النص واختيار الوصف المؤثر منها لتعدية الحكم بها إلى الفروع، فإذا وقف مجتهد على ذلك وأصاب طريقه كان ذلك مسموعا منه وإن لم يسبق به، فكذلك في الاستعارة إذا وقف إنسان على معنى تجوز الاستعارة به عند العرب فاستعار بذلك المعنى واستعمل لفظا في موضع كان مسموعا منه وإن لم يسبق به، وعلى هذا يجري كلام البلغاء من الخطباء والشعراء في كل وقت.
فنقول: طريق الاستعارة عند العرب الاتصال، والاتصال بين الشيئين يكون صورة أو معنى، فإن كل موجود متصور تكون له صورة ومعنى، فالاتصال لا يكون إلا باعتبار الصورة أو باعتبار المعنى. فأما الاستعارة للاتصال معنى فنحو تسمية العرب الشجاع أسدا للاتصال بينهما في معنى الشجاعة والقوة، والبليد حمارا لاتصال بينهما في معنى البلادة، والاستعارة للاتصال صورة نحو تسمية العرب المطر سماء، فإنهم يقولون: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم يعنون المطر، لأنها تنزل من السحاب والعرب تسمي كل ما علا فوقك سماء ويكون نزول المطر من علو فسموه سماء مجازا للاتصال صورة، وقال تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * والغائط اسم للمطمئن من الأرض، وسمي الحدث به مجازا لان يكون في المطمئن من الأرض عادة، وهذا اتصال من حيث الصورة، وقال تعالى: * (أو لامستم النساء) * والمراد الجماع لان اللمس سببه صورة فسماه به مجازا وقال تعالى: * (إني أراني أعصر خمرا) * (وإنما يعصر العنب وهو مشتمل على السفل والماء والقشر إلا أنه بالعصر يصير خمرا) في أوانه فسماه به مجازا لاتصال بينهما في الذات صورة، فسلكنا في الأسباب الشرعية والعلل هذين الطريقين في الاستعارة وقلنا يصح الاستعارة للاتصال سببا فإنه نظير الاستعارة للاتصال صورة في المحسوسات، وللاتصال في المعنى المشروع الذي جاء لأجله شرع يصلح الاستعارة، وهو نظير الاتصال معنى في المحسوسات فإنه لا خلاف بين العلماء