فصل: في بيان مقتضى الامر في صفة الحسن للمأمور به قال رضي الله عنه: اعلم أن مطلق مقتضى الامر كون المأمور به حسنا شرعا، وهذا الوصف غير ثابت للمأمور به بنفسه، فإنه أحد تصاريف الكلام فيتحقق في القبيح والحسن جميعا لغة كسائر التصريفات، ولا نقول إنه ثابت عقلا كما زعم بعض مشايخنا رحمهم الله، لان العقل بنفسه غير موجب عندنا. وبيان كونه ثابتا شرعا أن الله تعالى لم يأمر بالفحشاء كما نص عليه في محكم تنزيله، والامر طلب إيجاد المأمور به بأبلغ الجهات، ولهذا كان مطلقة موجبا شرعا، والقبيح واجب الاعدام شرعا، فما هو واجب الايجاد شرعا تعرف صفة الحسن فيه شرعا.
ثم هو في صفة الحسن نوعان: حسن لمعنى في نفسه، وحسن لمعنى في غيره. والنوع الأول قسمان: حسن لعينه لا يحتمل السقوط بحال، وحسن لعينه قد يحتمل السقوط في بعض الأحوال. والقسم الثاني نوعان أيضا: حسن لمعنى في غيره وذلك مقصود في نفسه لا يحصل منه ما لأجله كان حسنا، وحسن لمعنى في غيره يتحقق بوجوده ما لأجله كان حسنا.
وأما النوع الأول من القسم الأول فهو الايمان بالله تعالى وصفاته، فإنه مأمور به، قال الله تعالى: * (آمنوا بالله ورسوله) * وهو حسن لعينه، وركنه التصديق بالقلب والاقرار باللسان، فالتصديق لا يحتمل السقوط بحال، ومتى بدله بغيره فهو كفر منه على أي وجه بدله، والاقرار حسن لعينه وهو يحتمل السقوط في بعض الأحوال. حتى إنه إذا بدله بغيره بعذر الاكراه لم يكن ذلك كفرا منه إذا كان مطمئن القلب بالايمان، وهذا لان اللسان ليس بمعدن التصديق ولكن يعبر اللسان عما في قلبه، فيكون دليل التصديق وجودا وعدما، فإذا بدله بغيره في وقت يكون متمكنا من إظهاره يكون كافرا وإذا زال تمكنه من الاظهار بالاكراه لم يصر كافرا، لان سبب الخوف على نفسه دليل ظاهر على بقاء التصديق بالقلب، وأن الحامل له على هذا التبديل حاجته إلى دفع الهلاك عن نفسه لا تبديل الاعتقاد،