وقد أبى بعض من تكلم في ذلك (1) بغير دراية أن يكون في القرآن أو في اللغة استعارة وأجاز مع ذلك أن يطلق القول ولا يراد به الحقيقة فمنع لفظ الاستعارة وأعطى المعنى واحتج بأن المستعير هو الآخذ لما ليس له وذلك لا يجوز أن يقال في كلام الله تعالى فيقال له فقد أعطيتنا أن في القرآن ما أطلق على (2) جهة التشبيه ولم يرد به التحقيق فكأنك إنما خالفتنا في العبارة دون المعنى والمضايقة في العبارة بعد المدافعة على المعنى لا وجه للاشتغال بها ولكنا نقول في ذلك إن إطلاق لفظ الاستعارة شائع (3) في اللغة وذلك لأنهم لما وجدوا لفظة (4) حقيقة في موضع قد استعمل في غير موضعه الموضوع له في أصل اللغة سموه مجازا تارة واتساعا أخرى واستعارة أخرى (5) ليفيدوا به أنه ليس إطلاقه على حقيقة معناه في موضوع اللسان وإنما قالوا ذلك إفهاما للمخاطبين وسموه استعارة لأن الاسم موضوع لغيره في الأصل وسمي هذا باسمه ولنا أن نقول إن الله تعالى استعار شيئا لأن لله الدنيا والآخرة وهو الذي علم الناس اللغات وهداهم إليها (6) ولكنا نقول لما قال الله تعالى عربي مبين (7) وقال جعلناه قرآنا عربيا (8) وكان في لغة العرب ما ذكرنا من وجوه المجاز والاستعارات فقد علمنا أنه خاطبنا بما في لغتها من ذلك وليس لأن أهل اللغة سموا ذلك استعارة بواجب أن يكون الله تعالى قد استعار شيئا ولكنه خاطبنا بما هو استعارة في اللغة ومجاز واتساع فيها لا على حقيقة موضوعها في الأصل والأصل في ألفاظ المجاز أن طريقها السمع وما ورد منها في اللغة وليس يجوز لنا أن نتعدى بها مواضعها التي تكلمت العرب بها
(٣٦٧)