ومن هنا قد يقال: إنه لا ينفع قيام الدليل على جوازه أو عدم جوازه عند المجتهد، بل لا أثر له، لعدم كونه موردا لعلمه وعدم رجوع العامي له فيه.
بل هو المتعين بناء على ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره من أن مشروعية التقليد للعامي من البديهيات الجبلية الفطرية المستغنية عن الدليل، ولوا ذلك لا نسد باب الامتثال في حقه، لتعذر الرجوع عليه للأدلة الشرعية التفصيلية من الكتاب والسنة، وتعذر تقليده فيه، لما سبق.
إلا أنه كما ترى لا مجال للبناء عليه، لوضوح أن التقليد كسائر الأمور التي جرت عليها سيرة العقلاء الارتكازية القابلة للامضاء والردع.
ولذا جرت سيرة الأصحاب على الاستدلال بالأدلة الشرعية الظاهرة في الامضاء، وكثر النقض والابرام منهم في ذلك، ولم يعهد منهم دعوى امتناع الردع عنه، ولا الانكار على المخالف فيه بأنه خارج عن البداهة.
بل لا ريب في شيوع الخلاف في بعض خصوصياته، كتقليد الميت والأعلم، مع أنها مشاركة لأصل التقليد في طبيعة الحكم وملاكه، فلولا كونه أمرا محتاجا للدليل غير مستغن عنه بالبداهة لما وقع ذلك.
وأما انسداد طريق الامتثال على العامي بدونه، فهو ممنوع، لامكان جعل الشارع ما يخلفه على تقدير ردعه عنه، يصل إليه العامي بنفسه.
إلا أن يريد به انسداده في الواقع القائم، حيث يعلم بعدم جعل شئ اخر يقوم مقامه، فيرجع إلى بيان أثر منع التقليد الخارجي لا محذوره العقلي فهو أشبه بالاشكال النقضي، الذي لا تنحل به الشبهة.
ومن ثم ذكر شيخنا الأستاذ قدس سره أن ما هو البديهي الفطري هو مسألة وجوب التقليد، وهو الذي يدركه العامي بنفسه من غير حاجة للدليل التفصيلي والتقليد، وأما التقليد في الاحكام الفرعية - الذي هو محل للكلام - فهو نظري محتاج للاستدلال، ويختص بمعرفته المجتهد بعد النظر في الأدلة من الكتاب