وإن أمكن اجتماع الملاكين. إلا أن يريد من الملاك العلة التامة للحكم. لكنه مستلزم لسد باب التزاحم، لاستلزام اجتماع الملاكين لقصور أحدهما عن تأثير حكمه وخروجه عن كونه تمام العلة له.
الثالث: أنه لا بد في التزاحم من فرض اقتضاء كل من الحكمين صرف القدرة لامتثاله بنحو ينافي مقتضى الاخر، ولذا يختص بالأحكام الاقتضائية في فرض العجز عن الجمع بينهما في الامتثال على ما يتضح في محله.
أما التعارض فلا يعتبر فيه إلا التنافي بين الحكمين عملا بنحو يمنع من جعلهما معا وإن لم يكن امتثال أحدهما منافيا لمقتضى الاخر، لعدم كونه اقتضائيا، كالوجوب وعدمه، أو الوجوب والإباحة، أو لعدم تنافي مقتضيهما، كما في الموسعين.
لكن ذكر بعض الأعاظم قدس سره أن التزاحم لا يتوقف على العجز عن امتثال التكليفين، بل يتحقق في مورد العلم بعدم وجوب الجمع بينهما، وان تحقق موضوعهما وأمكن امتثالهما، ومثل لذلك بما إذا ملك واجد النصاب في أثناء الحول ما يكمل به نصاب اخر، كما لو ملك في أول محرم خمسا وعشرين من الإبل، وملك في أول رجب السادسة والعشرين، وحيث كانت زكاة الخمس والعشرين خمس شياه، وزكاة الست والعشرين بنت مخاض، فامتثالهما ممكن بدفع الخمس شياه في أول محرم الثاني، ودفع بنت مخاض في أول رجب الثاني، إلا أن العلم بعدم وجوبهما معا - لما دل على أن المال الواحد لا يزكى في العام الواحد مرتين - مستلزم لتزاحم التكليفين.
وهو كما ترى، لان عدم وجوب الجمع بين التكليفين في فرض القدرة عليهما، إن رجع إلى حكم العقل بعدم وجوب الامتثال، فهو - مع عدم مناسبته للمثال الذي ذكره - غير متعقل، لان التكليف علة تامة لوجوب الامتثال، والا كان لاغيا. وإدراك العقل ما يمنع من وجوب الامتثال راجع لادراكه وجود المانع من