والرجوع للأصل الشرعي أو العقلي مع فقدها ولو للشك فيها، بمقتضى مبانيه الأصولية، لا مجال لتردده في الوظيفة الفعلية في المسألة، إذ مع القطع بقيام الحجة يتعين العمل بها، ومع عدمه يتعين الرجوع للأصل، ويمتنع الشك في ذلك، لأنه لا يدخل الأمور الوجدانية.
مدفوعة: بأنه قد لا يتضح للمجتهد وجود الحجة بالنحو المصحح للرجوع للأصل، لتصادم جهات الكشف عنده واضطراب الوجدان عليه، فلا يطمئن لشئ من الوجوه، ويكون كغير المجتهد من أهل العلم ممن قد يطلع على كلمات الأصحاب ووجوههم في المسألة ويفهمها، لكن يعجز عن تمييز الصحيح منها بنحو يركن إليه ويجري على مقتضاه، ولو لعدم قوة مبناه الأصولي.
وإن شئت قلت: إن مجرد علم الباحث ببعض الكبريات ويتحقق موضوعاتها والاذعان بذلك لا يستلزم العمل عليها ما لم يحصل له القناعة الكافية بما حصله من معلومات والركون النفسي إليها، بنحو يتحمل لأجلها مسؤولية العمل، وبهذا يكون مجتهدا.
فتوقف المجتهد عن العمل ببعض القواعد التي أذعن بها في بعض الموارد كاشف عن ضعف ملكته وقصورها عن ذلك المورد.
نعم، ذلك لا يطرد، بل قد يكون التوقف عن الفتوى لمحض التورع والاحتياط للواقع مع القدرة على تشخيص الوظيفة، ولذا قد يشخصها لو اضطر لذلك أو ترجح لديه لزوم الفتوى، لحاجة الناس أو نحوها.
ثم إنه لا ينبغي التأمل في وجوب عمل المتجزي برأيه في ما وصل إليه - وإن قيل: إنه محل خلاف - لعموم أدلة الحجج له - بل تقدم في التنبيه الثاني من تنبيهات الكلام في المتكافئين عمومها للعامي - فيقطع بمقتضاها بالوظيفة الفعلية، كما يقطع بها في موارد الأصول العقلية، ولا مجال لتخلف القاطع عن