المبحث الخامس في الجهل بوجود المرجح.
سبق من الكليني قدس سره أنه بعد أن ذكر المرجحات قال: " ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله عليه السلام: بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم... ".
وظاهره اختصاص فعلية الترجيح بصورة العلم بالراجح. وهو مخالف لاطلاق أدلة الترجيح، كما هو الحال في سائر أدلة الاحكام في دورانها مدار تحقق موضوعاتها واقعا، فيكون التخيير معه مخالفا للاحتياط، لاحتمال عدم حجية ما يختاره المكلف، لكونه المرجوح واقعا، ويكون التمسك بعموم أدلة التخيير فيه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص أو العام.
اللهم إلا أن يستفاد ذلك في المقام بضميمة كثرة موارد الجهل بوجود المرجح، خصوصا مخالفة العامة، لعدم تيسر الاطلاع على أقوالهم والجهل بما هو الشايع منها عند صدور الروايات، أو بضميمة ارتكاز ابتناء التخيير على وجود مقتضي الحجية في كلا المتعارضين، وأن المرجح من سنخ المانع عن حجية المرجوح، ومع الشك في وجود المانع لا يرفع اليد عن مقتضي الحجية.
وكلاهما لا يخلو من إشكال.
فلعل الأولى ابتناء ذلك على الرجوع لأصالة عدم وجود المرجح بعنوانه المأخوذ شرعا، لأنه حادث مسبوق بالعدم ولو كان أزليا.