فإن في الأول اقتضاء للحسن وفي الثاني اقتضاء للقبح، فقد يقع التزاحم بين هذه المقتضيات، كما إذا لزم من الصدق الخيانة فإنها تزاحم مثلا اقتضاء الصدق للحسن.
والخلاصة أنه لا شبهة في أن الأفعال تختلف حسنا وقبحا باختلاف العناوين والاعتبارات والتفصيل في محله.
وأما النقطة الثانية، فكما أن حسن الأفعال أو قبحها يختلف باختلاف الإضافة فكذلك مصلحتها أو مفسدتها، فإنها تختلف باختلاف الإضافة ونقصد بالإضافة هنا تقيد تلك الأفعال بقيود، مثلا المصلحة القائمة بالصلاة لا تترتب عليها مطلقا بل ترتبها عليها منوط بتقيدها بالطهارة من الحدث والخبث واستقبال القبلة والقيام والطمأنينة وما شاكل ذلك، ونتيجة هذا أن المصلحة مترتبة على حصة خاصة من الصلاة وهي الصلاة المقيدة بقيودها وشروطها جميعا، وهذا معنى أن الإضافة دخيلة فيها، ومن هنا إذا صلى المصلي في الأرض المباحة فصلاته صحيحة وإذا صلى في الأرض المغصوبة فصلاته باطلة ومشتملة على مفسدة، والنكتة في ذلك أن تقييد الشارع المأمور به بقيود لا يمكن أن يكون جزافا وبلا نكتة، ومن الواضح أن النكتة المبررة كذلك إنما هي دخالة تلك القيود في الملاك المترتب على المأمور به، وعلى هذا فكل قيد مأخوذ فيه من قبل الشارع فهو كما أنه قيد له كذلك قيد دخيل في ترتب الملاك، فإن القيد كما يوجب تخصيص المأمور به بحصة خاصة، كذلك يوجب تخصيص الملاك بها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون القيد مقارنا للمأمور به أو متأخرا عنه، على أساس أن التقيد به جزئه ودخيل في ترتب الملاك عليه كسائر أجزائه، وتحقق هذا الجزء إنما هو بتحقق طرفيه هما ذات المقيد وذات القيد باعتبار أنه متقوم بهما ذاتا وحقيقة ولا ذات له إلا