والصيام قبل الوقت إنما هو نفس ملاك وجوب الاتيان بالمقدمات المفوتة، أما على القول بامكان الواجب المعلق فيكون الوجوب فعليا ومحركا نحو الاتيان بالمقدمات المفوتة كما أنه محرك نحو تعلمها، لأن فعلية وجوب المقدمة تتبع فعلية وجوب ذيها، سواء أكان ذيها فعليا أيضا أم لا، وكذلك الحال على القول بإمكان الواجب المشروط بالشرط المتأخر، وأما على القول بعدم إمكانهما معا كما هو الصحيح، فالوجوب حينئذ وإن لم يكن فعليا إلا أنك عرفت أن ملاكات هذه الواجبات تامة في أوقاتها من قبل هذه المقدمات منها التعلم، بمعنى أن تلك الملاكات منوطة بالقدرة المطلقة لا بالقدرة الخاصة وهي القدرة عليها بعد الوقت، ونتيجة ذلك وجوب تحصيل القدرة على المكلف قبل أوقاتها بالاتيان بالمقدمات المفوتة والتعلم هذا بحسب مقام الثبوت، وقد تقدم أن هذه الفرضية هي الصحيحة والمختارة في المسألة وينحل الاشكال بها على جميع الأقوال فيها، وأما في مقام الاثبات فهي بحاجة إلى دليل والدليل عليها هو الآيات والروايات (1) الدالة على وجوب تعلم الأحكام الشرعية وتحصيل معرفتها كالأدلة الدالة على وجوب المقدمات المفوتة، وقد أشرنا فيما تقدم أن ما يدل على وجوب هذه المقدمات من الآيات والروايات يدل على اهتمام المولى بالأحكام الواقعية وملاكاتها وعدم رضائه بتفويتها من قبل تلك المقدمات، وكذلك الآيات والروايات التي تنص على تعلم الأحكام الشرعية، فإنها تدل على تمامية ملاكاتها في ظرفها وعدم جواز تعجيز المكلف نفسه عن استيفائها بترك التعلم اختيارا لأن امتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
(١٧٣)