الثاني: في الملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشرع.
أما الكلام في المقام الأول، فلا شبهة في ثبوت الملازمة بينهما كبرويا، فإذا أدرك العقل مصلحة ملزمة مثلا في فعل غير مزاحمه بالأقوى منها أو المساوي، فبطبيعة الحال يكشف عن ثبوت الوجوب على أساس أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية، وأما صغرويا فهي غير تامة ولا واقع موضوعي لها، حيث إنه ليس للعقل طريق إلى إدراك ملاكات الأحكام الواقعية فضلا عن الإحاطة بها من جميع الجهات، ومن هنا لو أدرك في مورد وجود مصلحة ملزمة في فعل أو مفسدة كذلك ولكن ليس بإمكانه إدراك أنه لا مزاحم لها، فلذلك فلا يمكن أن يكون كاشفا عن حكم الشارع.
فالنتيجة أن البحث عن الملازمة بين حكم العقل النظري وحكم الشرع تام نظريا بحسب الكبرى، وأما تطبيقيا فلا توجد لها صغرى.
وأما الكلام في المقام الثاني، وهو الملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشرع، فتارة يقع في حقيقة حكم العقل العملي وهو الحسن والقبح، وأخرى في ثبوت الملازمة بينه وبين حكم الشرع.
أما الفرض الأول ففيه قولان:
القول الأول ما اختاره جماعة من الأصوليين منهم المحقق الأصفهاني (قدس سره) من أن قضية الحسن والقبح قضية مجعولة من قبل العقلاء كسائر مجعولاتهم العقلائية في أمور معادهم ومعاشهم على أساس ما يدركونه من المصالح والمفاسد العامة حفاظا على بقاء نوعهم (1)، ولكن هذا التفسير خاطئ وجدانا وبرهانا، أما وجدانا فلأن العقل مستقل بقبح الظلم وحسن العدل بما هما ظلم وعدل، وإن ذلك