من القضايا الفطرية الوجدانية ولا يتوقف على وجود عقلاء على الأرض، ومن هنا ذكر السيد الأستاذ (قدس سره) إنهما لو كانا من القضايا المجعولة من قبل العقلاء، فمعناه أن العاقل الأول قبل وجود العقلاء وتشريعاتهم لا يدرك قبح الظلم وحسن العدل، باعتبار أنه لا قبح ولا حسن حتى يدركهما وهو كما ترى، بداهة أنه أمر فطري وجداني فلا يمكن أن يتأثر بجهات خارجية، ولهذا يدرك فطرة أن سلب ذي الحق عن حقه ظلم وقبيح كان هناك عقلاء أم لا ولا يمكن أن يكون هذا الادراك متأثر بوجود العقلاء وتشريعاتهم، ومن هنا يدرك ذلك الصبي الذي لم ينضج عقله بعد، فالنتيجة أن قضايا الحسن والقبح العقليين من القضايا الواقعية الفطرية الموجودة في لوح الواقع وراء موقف العقلاء لا أنها من القضايا الانشائية للعقلاء، فلا واقع لها ما عدا انشائها وجعلها.
وأما الاشكال على أنه من أين يعرف حال العاقل الأول وأنه يدرك حسن العدل وقبح الظلم أولا، فلعل إحساسنا بهذا الوجدان من تأثير بناء العقلاء فهو غريب جدا، لأن إدراك ذلك أمر وجداني فطري ولا يمكن أن يتأثر بعامل خارجي، لأن الفطرة لا تتبدل ولا تتغير بتغير الزمان وتبدله لأنها ذاتية، وأما برهانا فلأن هذه النظرية تبتني على أن قضية الحسن والقبح ترتبط بالمصالح والمفاسد الواقعية، فإن العقلاء لما أدركوا مصلحة في فعل أو مفسدة في آخر، حكموا بحسن الأول وقبح الآخر فيكون الحسن والقبح تابعين للمصلحة والمفسدة كالوجوب والحرمة شرعا، ولكن هذا الارتباط خلاف الوجدان، إذ مضافا إلى أنه لا طريق للعقلاء إلى إدراك مصالح الأشياء ومفاسدها، أنه في كثير من موارد الحسن والقبح لا مصلحة في فعل ولا مفسدة في آخر، ولهذا يحكم العقل بقبح التجري مع أنه لا مفسدة في الفعل المتجري به، ويحكم بحسن الانقياد مع أنه لا مصلحة في الفعل المنقاد به، وهذا يبرهن على أن باب الحسن والقبح