هذا، مع أن حكم الشارع بخروج مجرى الأصل عن موضوع التكليف الثابت بالأدلة الاجتهادية لا معنى له إلا رفع حكم ذلك الموضوع، فمرجع أصالة الطهارة إلى عدم وجوب الاجتناب المخالف لقوله: " اجتنب عن النجس "، فافهم (1).
وإن كانت المخالفة مخالفة لخطاب مردد بين خطابين - كما إذا علمنا بنجاسة هذا المائع أو بحرمة هذه المرأة، أو علمنا بوجوب الدعاء عند رؤية هلال شهر (2) رمضان أو بوجوب الصلاة عند ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - ففي المخالفة القطعية حينئذ وجوه:
أحدها: الجواز مطلقا، لأن المردد بين الخمر والأجنبية لم يقع النهي عنه في خطاب من الخطابات الشرعية حتى يحرم ارتكابه، وكذا المردد بين الدعاء والصلاة، فإن الإطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الخطابات التفصيلية ومخالفتها.
الثاني: عدم الجواز مطلقا، لأن مخالفة الشارع قبيحة عقلا مستحقة للذم عليها، ولا يعذر فيها إلا الجاهل بها.
الثالث: الفرق بين الشبهة في الموضوع والشبهة في الحكم، فيجوز في الأولى دون الثانية (3)، لأن المخالفة القطعية في الشبهات الموضوعية فوق حد الإحصاء، بخلاف الشبهات الحكمية، كما يظهر من كلماتهم في مسائل الإجماع المركب.