وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس " ومما رزقناهم ينفقون " قال زكاة أموالهم، وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومما رزقناهم ينفقون " قال نفقة الرجل على أهله وهذا قبل أن تنزل الزكاة، وقال جويبر عن الضحاك: كانت النفقات قربانا يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات سبع آيات في سورة براءة مما يذكر فيهن الصدقات هن الناسخات المثبتات وقال قتادة " ومما رزقناهم ينفقون " فأنفقوا مما أعطاكم الله، هذه الأموال عوار وودائع عندك يا ابن آدم يوشك أن تفارقها.
واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات فإنه قال وأولى التأويلات وأحقها بصفة القوم أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين - زكاة كانت ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل أو عيال وغيرهم ممن يجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك لان الله تعالى عم وصفهم ومدحهم بذلك وكل من الانفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه " قلت " كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والانفاق من الأموال فإن الصلاة حق الله وعبادته وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والابتهال إليه ودعائه والتوكل عليه، والانفاق هو من الاحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك، ثم الأجانب فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى " ومما رزقناهم ينفقون " ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت " والأحاديث في هذا كثيرة وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء. قال الأعشى:
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها * وإن ذبحت صلى عليها وزمزما وقال أيضا: وقابلها الريح في دنها * وصلى على دنها وارتسم أنشدهما ابن جرير مستشهدا على ذلك. وقال الآخر وهو الأعشى أيضا:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا * يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي * نوما فإن لجنب المرء مضطجعا يقول عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي. وهذا ظاهر ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والافعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة بشروطها المعروفة وصفاتها وأنواعها المشهورة. قال ابن جرير وأرى أن الصلاة سميت صلاة لان المصلي يتعرض لاستنجاح طلبته من ثواب الله بعمله مع ما يسأل ربه من حاجاته وقيل هي مشتقة من الصلوين إذا تحركا في الصلاة عند الركوع والسجود وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفان عجب الذنب ومنه سمي المصلي وهو التالي للسابق في حلبة الخيل، وفيه نظر. وقيل هي مشتقة من الصلي وهو الملازمة للشئ من قوله تعالى " لا يصلاها " أي لا يلزمها ويدوم فيها " إلا الأشقى " وقيل مشتقة من تصلية الخشبة في النار لتقوم كما أن المصلي يقوم عوجه بالصلاة " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر " واشتقاقها من الدعاء أصح وأشهر والله أعلم.
وأما الزكاة فسيأتي الكلام عليها في موضعه إن شاء الله تعالى.
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4) قال ابن عباس والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك أي يصدقون بما جئت به من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربهم وبالآخرة هم يوقنون أي بالبعث والقيامة والجنة