صحيح والله أعلم. وقال مجاهد " اهدنا الصراط المستقيم "، قال الحق وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم أنا حمزة بن المغيرة عن عاصم الأحول عن أبي العالية " اهدنا الصراط المستقيم " قال هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده قال عاصم فذكرنا ذلك للحسن فقال صدق أبو العالية ونصح. وكل هذه الأقوال صحيحة وهي متلازمة فإن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر فقد اتبع الحق ومن اتبع الحق فقد اتبع الاسلام ومن اتبع الاسلام فقد اتبع القرآن وهو كتاب الله وحبله المتين وصراطه المستقيم فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ولله الحمد وقال الطبراني حدثنا محمد بن الفضل السقطي حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أعني " اهدنا الصراط المستقيم " - أن يكون معنيا به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل وذلك هو الصراط المستقيم لان من وفق لما وفق له من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقد وفق للاسلام وتصديق الرسل والتمسك بالكتاب والعمل بما أمره الله به والانزجار عما زجره عنه واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة وكل عبد صالح وكل ذلك من الصراط المستقيم.
" فإن قيل " فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها وهو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟
فالجواب أن لا، ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إلى ذلك فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها وتبصره وازدياده منها واستمراره عليها فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار وقد قال تعالى: " يا أيها آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل " الآية فقد أمر الذين آمنوا بالايمان وليس ذلك من باب تحصيل الحاصل لان المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم. وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " وقد كان الصديق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرا فمعنى قوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم " استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره.
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (7) قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد " اهدنا الصراط المستقيم " إلى آخرها أن الله يقول " هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " وقوله تعالى: " صراط الذين أنعمت عليهم " مفسر للصراط المستقيم وهو بدل منه عند النحاة ويجوز أن يكون عطف بيان والله أعلم. والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال تعالى: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما " وقال الضحاك عن ابن عباس " صراط الذين أنعمت عليهم " بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين وذلك نظير ما قال ربنا تعالى: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم " الآية. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس " صراط الذين أنعمت عليهم " قال هم