ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد " الحمد لله رب العالمين " قال الله حمدني عبدي، وإذا قال " الرحمن الرحيم " قال الله أثنى علي عبدي، فإذا قال: " مالك يوم الدين " قال الله مجدني عبدي، وإذا قال " إياك نعبد وإياك نستعين " قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال " إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما " إياك نعبد " يعني إياك نوحد ونخاف ونرجوك يا ربنا لا غيرك " وإياك نستعين " على طاعتك وعلى أمورنا كلها وقال قتادة " إياك نعبد وإياك نستعين " يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أموركم وإنما قدم " إياك نعبد " على " وإياك نستعين " لان العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والاهتمام والحزم تقديم ما هو الأهم فالأهم والله أعلم. فإن قيل: فما معنى النون في قوله تعالى " إياك نعبد وإياك نستعين " فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام؟ وقد أجيب بأن المراد من ذلك الاخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بخير ومنهم من قال يجوز أن تكون للتعظيم كأن العبد قيل له إذا كنت داخل العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل " إياك نعبد وإياك نستعين " وإن كنت خارج العبادة فلا تقل نحن ولا فعلنا ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لاحتياج الجميع إلى الله عز وجل وفقرهم إليه. ومنهم من قال إياك نعبد ألطف في التواضع من إياك عبدنا لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ولا يثني عليه كما يليق به والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى كما قال بعضهم:
لا تدعني إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي وقد سمى الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعبده في أشرف مقاماته فقال: " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب " " وأنه لما قام عبد الله يدعوه " " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا " فسماه عبدا عند إنزاله عليه وعند قيامه في الدعوة وإسرائه به وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين حيث يقول " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين " وقد حكى الرازي في تفسيره عن بعضهم أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق، قال ولان الله يتولى مصالح عبده والرسول يتولى مصالح أمته، وهذا القول خطأ والتوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له ولم يتعرض له الرازي بتضعيف ولا رد. وقال بعض الصوفية العبادة إما لتحصيل ثواب أو درء عقاب قالوا وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده، وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى وهذا أيضا عندهم ضعيف بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال قالوا ولهذا يقول المصلي: أصلي لله ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العقاب لبطلت الصلاة وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا: كون العبادة لله عز وجل لا ينافي أن يطلب معها ثوابا ولا أن يدفع عذابا كما قال ذلك الاعرابي: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم " حولها ندندن ".
اهدنا الصراط المستقيم (6) قراءة الجمهور بالصاد وقرئ السراط وقرئ بالزاي قال الفراء وهي لغة بني عذرة وبني كلب. لما تقدم الثناء علي المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال " فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل " وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: " اهدنا الصراط المستقيم " لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة ولهذا أرشد الله إليه لأنه الأكمل وقد يكون السؤال بالاخبار عن حال السائل واحتياجه كما قال موسى عليه السلام " رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير " وقد يتقدمه مع ذلك وصف مسؤول كقول ذي