بذلك فأجاب الله دعوته، وهذا غريب جدا إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون وقد غلط أهل الكتاب أيضا في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل فإن موسى الكليم عليه السلام قد سأل ذلك فمنع منه كيف يناله هؤلاء السبعون.
القول الثاني في الآية قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية قال: لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح قد كتب فيها التوراة فوجدهم يعبدون العجل، فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا فتاب الله عليهم فقال إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمركم الذي أمركم به ونهيكم الذي نهاكم عنه، فقالوا ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة حتى يطلع الله علينا ويقول هذا كتابي فخذوه فماله لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى وقرأ قول الله " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " قال فجاءت غضبة من الله فجاءتهم صاعقة بعد التوبة فصعقتهم فماتوا أجمعون، قال ثم أحياهم الله من بعد موتهم وقرأ قول الله " ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " فقال لهم موسى خذوا كتاب الله فقالوا لا، فقال أي شئ أصابكم؟ فقالوا أصابنا أنا متنا ثم أحيينا، قال خذوا كتاب الله قالوا لا، فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم، وهذا السياق يدل على أنهم كلفوا بعد ما أحيوا. وقد حكى الماوردي في ذلك قولين أحدهما أنه سقط التكليف عنهم لمعاينته الامر جهرة حتى صاروا مضطرين إلى التصديق والثاني أنهم مكلفون لئلا يخلو عاقل من تكليف قال القرطبي وهذا هو الصحيح لان معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم لان بني إسرائيل قد شاهدوا أمورا عظاما من خوارق العادات وهم في ذلك مكلفون وهذا واضح والله أعلم.
وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (57) لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع يذكرهم أيضا بما أسبغ عليهم من النعم فقال " وظللنا عليكم الغمام " وهو جمع غمامة سمي بذلك لأنه يغم السماء أي يواريها ويسترها وهو السحاب الأبيض ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس كما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفتون قال: ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام قال ابن أبي حاتم، وروى عن ابن عمر والربيع بن أنس وأبي مجلز والضحاك والسدي نحو قول ابن عباس وقال الحسن وقتادة " وظللنا عليكم الغمام " كان هذا في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس وقال: ابن جرير قال: آخرون وهو غمام أبرد من هذا وأطيب. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " وظللنا عليكم الغمام " قال ليس بالسحاب هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ولم يكن إلا لهم. وهكذا رواه ابن جرير عن المثنى بن إبراهيم عن أبي حذيفة وكذا رواه الثوري وغيره عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وكأنه يريد والله أعلم أنه ليس من زي هذا السحاب بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا كما قال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: قال ابن عباس " وظللنا عليكم الغمام " قال غمام أبرد من هذا وأطيب وهو الذي يأتي الله فيه في قوله " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر.
قال ابن عباس وكان معهم في التيه: وقوله تعالى " وأنزلنا عليكم المن " اختلفت عبارات المفسرين في المن ما هو؟ فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا.
وقال مجاهد المن صمغة وقال: عكرمة المن شئ أنزله الله عليهم مثل الظل شبه الرب الغليظ وقال: السدي قالوا يا موسى كيف لنا بما ههنا أين الطعام فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط على شجرة الزنجبيل وقال: قتادة كان المن ينزل عليهم في محلهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك فإذا تعدى ذلك فسد ولم يبق حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشته ولا يطلبه لشئ وهذا كله في البرية، وقال: الربيع بن أنس المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه. وقال وهب بن