معهم كما يطول الصبيان ولا يتخرق لهم ثوب فذلك قوله تعالى " وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى " وقوله " وإذا ستسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين " وروي عن وهب بن منبه وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو ما قاله السدي وقال: سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس خلق لهم في التيه ثياب، لا تخرق ولا تدرن، قال ابن جريج: فكان الرجل إذا أخذ من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت فلا يصبح فاسدا قال: ابن عطية السلوى طير بإجماع المفسرين وقد غلط الهذلي في قوله إنه العسل وأنشد في ذلك مستشهدا:
وقاسمها بالله جهدا لأنتم * ألذ من السلوى إذا ما أشورها قال فظن أن السلوى عسلا، قال القرطبي: دعوى الاجماع لا يصح لان المؤرخ أحد علماء اللغة والتفسير قال إنه العسل واستدل ببيت الهذلي هذا وذكر أنه كذلك في لغة كنانة لأنه يسلي به ومنه عين سلوان، وقال الجوهري:
السلوى العسل واستشهد ببيت الهذلي أيضا والسلوانة بالضم خرزة كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربها العاشق سلا قال الشاعر:
شربت على سلوانة ماء مزنة * فلا وجديد العيش يا مي ما أسلو واسم ذلك الماء السلوان، وقال بعضهم، السلوان دواء يشفي الحزين فيسلو والأطباء يسمونه مفرج، قالوا والسلوى جمع بلفظ الواحد أيضا كما يقال سماني للمفرد والجمع وويلي كذلك، وقال الخليل واحده سلواة وأنشد:
وإني لتعروني لذكراك هزة * كما انتفض السلواة من بلل القطر وقال الكسائي: السلوى واحدة وجمعه سلاوي. نقله كله القرطبي. وقوله تعالى " كلوا من طيبات ما رزقناكم " أمر إباحة وإرشاد وامتنان، وقوله تعالى " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " أي أمرناهم بالاكل مما رزقناهم وأن يعبدوا كما قال " كلوا من رزق ربكم واشكروا له " فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات، والمعجزات القاطعات، وخوارق العادات، ومن ههنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم مع ما كانوا معه في أسفاره وغزواته منها عام تبوك في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد لم يسألوا خرق عادة ولا إيجاد أمر مع أن ذلك كان سهلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم فجاء قدر مبرك الشاة فدعا الله فيه وأمرهم فملؤا كل وعاء معهم وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى فجاءتهم سحابة فأمطرتهم فشربوا وسقوا الإبل وملؤا أسقيتهم، ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر. فهذا هو الأكمل في اتباع الشئ مع قدر الله مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون (59) يقول تعالى لائما لهم على نكولهم عن الجهاد ودخولهم الأرض المقدسة لما قدموا من برد مصر صحبة موسى عليه السلام فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل وقتال من فيها من العماليق الكفرة