المعتزلة فذكروا وجوها توافق قولهم: أحدها: أن أهل الصلاح يظهرون أنفسهم، وأهل الفسق يخفون أنفسهم ويدسونها في المواضع الخفية، كما أن أجواد العرب ينزلون الربا حتى تشتهر أماكنهم ويقصدهم المحتاجون، ويوقدون النيران بالليل للطارقين. وأما اللئام فإنهم يخفون أماكنهم عن الطالبين وثانيها: * (خاب من دساها) * أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم وثالثها: * (من دساها) * في المعاصي حتى انغمس فيها ورابعها: * (من دساها) * من دس في نفسه الفجور، وذلك بسبب مواظبته عليها ومجالسته مع أهلها وخامسها: أن من أعرض عن الطاعات واشتغل بالمعاصي صار خاملا متروكا منسيا، فصار كالشئ المدسوس في الاختفاء والخمول. وأما أصحابنا فقالوا: المعنى خابت وخسرت نفس أضلها الله تعالى وأغواها وأفجرها وأبطلها وأهلكها، هذه ألفاظهم في تفسير * (دساها) * قال الواحدي رحمه الله: فكأنه سبحانه أقسم بأشرف مخلوقاته على فلاح من طهره وخسار من خذله حتى لا يظن أحد أنه هو الذي يتولى تطهير نفسه أو إهلاكها بالمعصية من غير قدر متقدم وقضاء سابق. أما قوله تعالى:
* (كذبت ثمود بطغواهآ) *.
أما قوله تعالى: * (كذبت ثمود بطغواها) * قال الفراء: الطغيان والطغوى مصدران إلا أن الطغوى أشبه برؤوس الآيات فاختير لذلك وهو كالدعوى من الدعاء وفي التفسير وجهان: أحدهما: أنها فعلت التكذيب بطغيانها، كما تقول: ظلمني بجراءته على الله تعالى، والمعنى أن طغيانهم حملهم على التكذيب به هذا هو القول المشهور والثاني: أن الطغوى اسم لعذابهم الذي أهلكوا به، والمعنى كذبت بعذابها أي لم يصدقوا رسولهم فيما أنذرهم به من العذاب، وهذا لا يبعد لأن معنى الطغيان في اللغة مجاوزة القدر المعتاد فيجوز أن يسمى العذاب الذي جاءهم طغوى لأنه كان صيحة مجاوزة للقدر المعتاد أو يكون التقدير كذبت بما أوعدت به من العذاب ذي الطغوى ويدل على هذا التأويل قوله تعالى: * (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) * (الحاقة: 4) أي بالعذاب الذي حل بها، ثم قال: * (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) * (الحاقة: 5) فسمى ما أهلكوا به من العذاب طاغية.
* (إذ انبعث أشقاها) *.
انبعث مطاوع بعث يقال: بعثت فلانا على الأمر فانبعث له، والمعنى أنه كذبت ثمود بسبب طغيانهم حين انبعث أشقاها وهو عاقر الناقة وفيه قولان: أحدهما: أنه شخص معين واسمه قدار بن سالف ويضرب به المثل يقال: أشأم من قدار، وهو أشقى الأولين بفتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني: يجوز أن يكونوا جماعة، وإنما جاء على لفظ الوحدان لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث تقول: هذان أفضل الناس وهؤلاء أفضلهم، وهذا يتأكد بقوله: * (فكذبوه فعقروها) * (الشمس: 14) وكان يجوز أن يقال أشقوها كما يقال أفاضلهم.