حملها على أبي بكر رضي الله عنه، وثبت دلالة الآية أيضا على أن أبا بكر أفضل الأمة، وأما الرواية فهي أنه كان بلال (عبدا) لعبد الله بن جدعان، فسلح على الأصنام فشكا إليه المشركون فعله، فوهبه لهم، ومائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم، فأخذوه وجعلوا يعذبونه في الرمضاء وهو يقول: أحد، أحد، فمر به رسول الله، وقال: ينجيك أحد، أحد. ثم أخبر رسول الله أبا بكر أن بلالا يعذب في الله: فحمل أبو بكر رطلا من ذهب فابتاعه به، فقال المشركون: ما فعل ذلك أبو بكر إلا ليد كانت لبلال عنده، فنزل: * (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) * * (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) * (الليل: 20) وقال ابن الزبير وهو على المنبر: كان أبو بكر يشتري الضعفة من العبيد فيعتقهم، فقال له أبوه: يا بني لو كنت تبتاع من يمنع ظهرك، فقال: منع ظهري أريد. فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف " في محل: * (يتزكى) * وجهان: إن جعلت بدلا من يؤتي فلا محل له، لأنه داخل في حكم الصلة، والصلات لا محل لها. وإن جعلته حالا من الضمير في * (يؤتي) * فمحله النصب.
* (إلا ابتغآء وجه ربه الاعلى * ولسوف يرضى) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: * (ابتغاء وجه ربه) * مستثنى من غير جنسه وهو النعمة أي * (ما لأحد عنده) * (الليل: 19) نعمة * (إلا ابتغاء وجه ربه) * كقولك ما في الدار أحدا إلا حمارا، وذكر الفراء فيه وجها آخر وهو أن يضمر الإنفاق على تقدير: ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، كقوله: * (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) * (البقرة: 272).
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى بين أن هذا: * (الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى) * (الليل: 18, 17) لا يؤتيه مكافأة على هدية أو نعمة سالفة، لأن ذلك يجري مجرى أداء الدين، فلا يكون له دخل في استحقاق مزيد الثواب بل إنما يستحق الثواب إذا فعله، لأجل أن الله أمره به وحثه عليه.
المسألة الثالثة: المجسمة تمسكوا بلفظة الوجه والملحدة تمسكوا بلفظة * (ربه الأعلى) * وإن ذلك يقضي وجود رب آخر، وقد تقدم الكلام على كل ذلك.
المسألة الرابعة: ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الإمامة، فقال: الآية الواردة في حق علي عليه السلام: * (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) * (الإنسان: 10, 9) والآية الواردة في حق أبي بكر: * (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى) * فدلت الآيتان على أن كل واحد منهما إنما فعل ما فعل لوجه الله إلا أن آية علي تدل على أنه فعل ما فعل لوجه الله، وللخوف من يوم القيامة على ما قال: * (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) * وأما آية أبي بكر فإنها دلت على أنه فعل ما فعل لمحض وجه الله من غير أن يشوبه طمع فيما يرجع إلى رغبة في ثواب