حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * (الإنسان: 8) وقال في آخر هذه السورة: * (وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتى ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) * (الليل: 20, 17)، وثانيهما: أن قوله: * (أعطى) * يتناول إعطاء حقوق المال وإعطاء حقوق النفس في طاعة الله تعالى، يقال: فلان أعطى الطاعة وأعطى السعة وقوله: * (واتقى) * فهو إشارة إلى الاحتراز عن كل مالا ينبغي، وقد ذكرنا أنه هل من شرط كونه متقيا أن يكون محترزا عن الصغائر أم لا في تفسير قوله تعالى: * (هدى للمتقين) * (البقرة: 2) وقوله: * (وصدق بالحسنى) * فالحسنى فيها وجوه أحدها: أنها قول لا إله إلا الله، والمعنى: فأما من أعطى واتقى وصدق بالتوحيد والنبوة حصلت له الحسنى، وذلك لأنه لا ينفع مع الكفر إعطاء مال ولا اتقاء محارم، وهو كقوله: * (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) * إلى قوله: * (ثم كان من الذين آمنوا) * (البلد: 17, 14) وثانيها: أن الحسنى عبارة عما فرضه الله تعالى من العبادات على الأبدان وفي الأموال كأنه قيل: أعطى في سبيل الله واتقى المحارم وصدق بالشرائع، فعلم أنه تعالى لم يشرعها إلا لما فيها من وجوه الصلاح والحسن وثالثها: أن الحسنى هو الخلف الذي وعده الله في قوله: * (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) * (سبأ: 39) والمعنى: أعطى من ماله في طاعة الله مصدقا بما وعده الله من الخلف الحسن، وذلك أنه قال: * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) * (البقرة: 261) فكان الخلف لما كان زائدا صح إطلاق لفظ الحسنى عليه، وعلى هذا المعنى: * (وكذب بالحسنى) * أي لم يصدق بالخلف، فبخل بماله لسوء ظنه بالمعبود، كما قال بعضهم: منع الموجود، سوء ظن بالمعبود، وروي عن أبي الدرداء أنه قال: " ما من يوم غربت فيه الشمس إلا وملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين. اللهم أعط كل منفق خلفا وكل ممسك تلفا " ورابعها: أن الحسنى هو الثواب، وقيل: إنه الجنة، والمعنى واحد، قال قتادة: صدق بموعود الله فعمل لذلك الموعود، قال القفال: وبالجملة أن الحسنى لفظة تسع كل خصلة حسنة، قال الله تعالى: * (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) * (التوبة: 52) يعني النصر أو الشهادة، وقال تعالى: * (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) * (الشورى: 23) فسمى مضاعفة الأجر حسنى، وقال: * (إن لي عنده للحسنى) * (فصلت: 50).
وأما قوله: * (فسنيسره لليسرى) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في تفسير هذه اللفظة وجوه أحدها: أنها الجنة وثانيها: أنها الخير وقالوا في العسرى: أنها الشرك وثالثها: المراد منه أن يسهل عليه كل ما كلف به من الأفعال والتروك، والمراد من العسرى تعسير كل ذلك عليه ورابعها: اليسرى هي العود إلى الطاعة التي أتى بها أولا، فكأنه قال فسنيسره لأن يعود إلى الإعطاء في سبيل الله، وقالوا: في العسرى ضد ذلك أي نيسره لأن يعود إلى البخل والامتناع من أداء الحقوق المالية، قال القفال: ولكل هذه الوجوه مجاز من اللغة، وذلك لأن الأعمال بالعواقب، فكل ما أدت عاقبته إلى يسر وراحة وأمور محمودة، فإن ذلك من اليسرى، وذلك وصف كل الطاعات، وكل ما أدت عاقبته إلى عسر