يره ولم يسأله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه الثاني: قال الكلبي: كان كاذبا لم ينفق شيئا، فقال الله تعالى: أيظن أن الله تعالى ما رآى ذلك منه، فعل أو لم يفعل، أنفق أو لم ينفق، بل رآه وعلم منه خلاف ما قال.
* (ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين) *.
واعلم أنه تعالى لما حكى عن ذلك الكافر قوله: * (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) * (البلد: 5) أقام الدلالة على كمال قدرته فقال تعالى: * (ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين) * وعجائب هذه الأعضاء مذكورة في كتب التشريح، قال أهل العربية: النجد الطريق في ارتفاع فكأنه لما وضحت الدلائل جعلت كالطريق المرتفعة العالية بسبب أنها واضحة للعقول كوضوح الطريق العالي للأبصار، وإلى هذا التأويل ذهب عامة المفسرين في النجدين وهو أنهما سبيلا الخير والشر، وعن أبي هريرة أنه عليه السلام قال: إنما هما النجدان، نجد الخير ونجد الشر، ولا يكون نجد الشر، أحب إلى أحدكم من نجد الخير " وهذه الآية كالآية في: * (هل أتى على الإنسان) * إلى قوله: * (فجعلناه سمعيا بصيرا * إنا هديناه السبيل، إما شاكرا وإما كفورا) * (الإنسان: 3, 1) وقال الحسن: قال: * (أهلكت مالا لبدا) * فمن الذي يحاسبني عليه؟ فقيل: الذي قدر على أن يخلق لك هذه الأعضاء قادر على محاسبتك، وروي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب، أنهما الثديان، ومن قال ذلك ذهب إلى أنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه، والله تعالى هدى الطفل الصغير حتى ارتضعها، قال القفال: والتأويل هو الأول، ثم قرر وجه الاستدلال به، فقال: إن من قدر على أن يخلق من الماء المهين قلبا عقولا ولسانا قولا، فهو على إهلاك ما خلق قادر، وبما يخفيه المخلوق عالم، فما العذر في الذهاب عن هذا مع وضوحه وما الحجة في الكفر بالله من تظاهر نعمه، وما العلة في التعزيز على الله وعلى أنصار دينه بالمال وهو المعطي له، وهو الممكن من الانتفاع به.
* (فلا اقتحما العقبة) *.
ثم إنه سبحانه وتعالى دل عباده على الوجوه الفاضلة التي تنفق فيها الأموال، وعرف هذا الكافر أن إنفاقه كان فاسدا وغير مفيد، فقال تعالى: * (فلا اقتحم العقبة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الاقتحام الدخول في الأمر الشديد يقال: قحم يقحم قحوما، واقتحم اقتحاما وتقحم تقحما إذا ركب القحم، وهي المهالك والأمور العظام والعقبة طريق في الجبل، وعر، الجمع العقب والعقاب، ثم ذكر المفسرون في العقبة ههنا وجهين الأول: أنها في الآخرة وقال عطاء: يريد عقبة جهنم، وقال الكلبي: هي عقبة بين الجنة والنار، وقال ابن عمر هي: جبل زلال في جهنم وقال مجاهد والضحاك: هي الصراط يضرب على جهنم، وهو معنى قول الكلبي: إنها عقبة الجنة