واتبعناه، وهذا فيه إشكال من حيث إن المشركين كانوا منكرين للرسالة والحشر مطلقا، فكيف كانوا يعترفون بالرسل، فمن أين عرفوا أن اليهود كذبوا وما جاءهم كتاب ولولا كتاب الله وبيان رسوله من أين كان يعلم المشركون أنهم صدقوا شيئا وكذبوا في شيء؟ بل المراد ما ذكرنا أنهم كانوا يقولون نحن لو جاءنا رسول لا ننكره وإنما ننكر كون محمد رسولا من حيث إنه كاذب ولو صح كونه رسولا لآمنا وقوله: * (فلما جاءهم) * أي فلما صح لهم مجيؤه بالمعجزة، وفي قوله: * (أهدى) * وجهان أحدهما: أن يكون المراد أهدى مما نحن عليه وعلى هذا فقوله: * (من إحدى الأمم) * للنبيين كما يقول القائل زيد من المسلمين ويدل على هذا قوله تعالى: * (فلما جاءهم نذيرا ما زادهم إلا نفورا) * أي صاروا أضل مما كانوا وكانوا يقولون نكون أهدى وثانيهما: أن يكون المراد أن نكون أهدى من إحدى الأمم كما يقول القائل زيد أولى من عمرو، وفي الأمم وجهان أحدهما: أن يكون المراد العموم أي أهدى من أي إحدى الأمم وفيه تعريض وثانيهما: أن يكون المراد تعريف العهد أي أمة محمد وموسى وعيسى ومن كان في زمانهم.
ثم قال تعالى: * (استكبارا في الأرض) * ونصبه يحتمل ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون حالا أي مستكبرين في الأرض وثانيها: أن يكون مفعولا له أي للاستكبار وثالثها: أن يكون بدلا عن النفور وقوله: * (ومكر السيء) * إضافة الجنس إلى نوعه كما يقال علم الفقه وحرفة الحدادة وتحقيقه أن يقال معناه ومكروا مكرا سيئا ثم عرف لظهور مكرهم، ثم ترك التعريف باللام وأضيف إلى السيء لكون السوء فيه أبين الأمور، ويحتمل أن يقال بأن المكر يستعمل استعمال العمل كما ذكرنا في قوله تعالى: * (والذين يمكرون السيئات) * أي يعملون السيئات، ومكرهم السيء، وهو جميع ما كان يصدر منهم من القصد إلى الإيذاء ومنع الناس من الدخول في الإيمان وإظهار الإنكار، ثم قال: * (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) * أي لا يحيط إلا بفاعله وفي قوله: * (ولا يحيق) * وقوله: * (إلا بأهله) * فوائد، أما في قوله: * (يحيق) * فهي أنها تنبئ عن الإحاطة التي هي فوق اللحوق وفيه من التحذير ما ليس في قوله ولا يلحق أو ولا يصل، وأما في قوله: * (بأهله) * ففيه ما ليس في قول القائل ولا يحيق المكر السيء إلا بالماكر، كي لا يأمن المسئ فإن من أساء ومكره سئ آخر قد يلحقه جزاء على سيئة، وأما إذا لم يكن سيئا فلا يكون أهلا فيأمن المكر السيء، وأما في النفي والإثبات ففائدته الحصر بخلاف ما يقول القائل المكر السيء يحيق بأهله، فلا ينبئ عن عدم الحيق بغير أهله، فإن قال قائل: كثيرا ما نرى أن الماكر يمكر ويفيده المكر ويغلب الخصم بالمكر والآية تدل على عدم ذلك، فنقول الجواب عنه من وجوه أحدها: أن المكر المذكور في الآية هو المكر الذي مكروه مع النبي صلى الله عليه وسلم من العزم على القتل والإخراج ولم يحق إلا بهم، حيث قتلوا يوم بدر وغيره وثانيها: هو أن نقول المكر السيء عام وهو الأصح فإن النبي عليه السلام نهى عن المكر وأخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإن الله يقول ولا يحيق المكر السيء