إغماضا في حق تعظيمه وإعراضا عن الاعتراف بعجزهم عن الإتيان بما يناسب عظمته، ثم إنه تعالى بن أنه آتاهم ما يتعلق بقبول المحل من العمر الطويل وما يتعلق بالفاعل في المحل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كفاعل الخير فيهم ومظهر السعادات.
فقال تعالى: * (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) *.
فإن المانع إما أن يكون فيهم حيث لم يتمكنوا من النظر فيما أنزل الله، وإما أن يكون في مرشدهم حيث لم يتل عليهم ما يرشدهم.
ثم قال تعالى: * (فذوقوا فما للظالمين من نصير) * وقوله: * (فذوقوا) * إشارة إلى الدوام وهو أمر إهانة، فما للظالمين الذين وضعوا أعمالهم وأقوالهم في غير موضعها وأتوا بالمعذرة في غير وقتها من نصير في وقت الحاجة ينصرهم، قال بعض الحكماء قوله: * (فما للظالمين من نصير) * وقوله: * (وما للظالمين من أنصار) * يحتمل أن يكون المراد من الظالم الجاهل جهلا مركبا، وهو الذي يعتقد الباطل حقا في الدنيا * (وما له من نصير) * أي من علم ينفعه في الآخرة، والذي يدل عليه هو أن الله تعالى سمي البرهان سلطانا، كما قال تعالى: * (فأتوا بسلطان) * والسلطان أقوى ناصر إذ هو القوة أو الولاية وكلاهما ينصر والحق التعميم، لأن الله لا ينصره وليس غيره نصيرا فما لهم من نصير أصلا، ويمكن أن يقال إن الله تعالى قال في آل عمران * (وما للظالمين من أنصار) * وقال: * (فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين) * وقال ههنا: * (فما للظالمين من نصر) * أي هذا وقت كونهم واقعين في النار، فقد أيس كل منهم من كثير ممن كانوا يتوقعون منهم النصرة ولم يبق إلا توقعهم من الله فقال: * (ما لكم من نصير) * أصلا، وهناك كان الأمر محكيا في الدنيا أو في أوائل الحشر، فنفى ما كانوا يتوقعون منهم النصرة وهم آلهتهم.
* (إن الله عالم غيب السماوات والارض إنه عليم بذات الصدور) *.
ثم قال تعالى: * (إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور) *.
تقريرا لدوامهم في العذاب، وذلك من حيث إن الله تعالى لما قال: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * ولا يزاد عليها، فلو قال قائل: الكافر ما كفر بالله إلا أياما معدودة، فكان ينبغي أن لا يعذب إلى مثل تلك الأيام، فقال تعالى إن الله لا يخفي عليه غيب السماوات فلا يخفي عليه ما في الصدور، وكان يعلم من الكافر أن في قلبه تمكن الكفر بحيث لو دام إلى الأبد لما أطاع الله ولا عبده.
وفي قوله تعالى: * (بذات الصدور) * مسألة قد ذكرناها مرة ونعيدها أخرى، وهي أن لقائل أن يقول الصدور هي ذات اعتقادات وظنون، فكيف سمى الله الاعتقادات بذات الصدور؟