ثم قال: * (أئفكا آلهة دون الله تريدون) * قال صاحب " الكشاف " أئفكا مفعول له تقديره أتريدون آلهة من دونه إفكا، وإنما قدم المفعول على الفعل للعناية وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يقرر عندهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم، ويجوز أن يكون إفكا مفعولا به يعني أتريدون إفكا، ثم فسر الإفك بقوله: * (آلهة دون الله) * على أنها إفك في أنفسها، ويجوز أن يكون حالا بمعنى تريدون آلها من دون الله آفكين.
ثم قال: * (فما ظنكم برب العالمين) * وفيه وجهان أحدهما: أتظنون برب العالمين أنه يجوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في المعبودية وثانيها: أتظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في المعبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء.
ثم قال: * (فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم) * عن ابن عباس أنهم كانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم على مقتضى عادتهم، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه فأراد أن يتخلف عنهم ليبقى خاليا في بيت الأصنام فيقدر على كسرها وههنا سؤالان الأول: أن النظر في علم النجوم غير جائز فكيف أقدم عليه إبراهيم والثاني: أنه عليه السلام ما كان سقيما فلما قال إني سقيم كان ذلك ذنبا، واعلم أن العلماء ذكروا في الجواب عنهما وجوها كثيرة الأول: أنه نظر نظرة في النجوم في أوقات الليل والنهار وكانت تأتيه سقامة كالحمى في بعض ساعات الليل والنهار، فنظر ليعرف هل هي في تلك الساعة وقال: * (إني سقيم) * فجعله عذرا في تخلفه عن العيد الذي لهم وكان صادقا فيما قال، لأن السقم كان يأتيه في ذلك الوقت، وإنما تخلف لأجل تكسير أصنامهم الوجه الثاني: في الجواب أن قوم إبراهيم عليه السلام كانوا أصحاب النجوم يعظمونها ويقضون بها على غائب الأمور، فلذلك نظر إبراهيم في النجوم أي في علوم النجوم وفي معانيه لا أنه نظر بعينه إليها، وهو كما يقال فلان نظر في الفقه وفي النحو وإنما أراد أن يوهمهم أنه يعلم ما يعلمون ويتعرف من حيث يتعرفون حتى إذا قال: * (إني سقيم) * سكنوا إلى قوله.
أما قوله: * (إني سقيم) * فمعناه سأسقم كقوله: * (إنك ميت) * (الزمر: 30) أي ستموت الوجه الثالث: أن قوله: * (فنظر نظرة في النجوم) * هو قوله تعالى: * (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) * (الأنعام: 76) إلى آخر الآيات وكان ذلك النظر لأجل أن يتعرف أحوال هذه الكواكب هل هي قديمة أو محدثة، وقوله: * (إني سقيم) * يعني سقيم القلب غير عارف بربي وكان ذلك قبل البلوغ الوجه الرابع: قال ابن زيد كان له نجم مخصوص، وكلما طلح على صفة مخصوصة مرض إبراهيم ولأجل هذا الاستقراء لما رآه في ذلك الوقت طالعا على تلك الصفة المخصوصة قال: * (إني سقيم) * أي هذا السقم واقع لا محالة الوجه الخامس: أن قوله: * (إني سقيم) * أي مريض القلب سبب إطباق ذلك الجمع العظيم على الكفر والشرك، قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (لعلك باخع نفسك) * (الشعراء: 3) الوجه السادس: في الجواب أنا لا نسلم أن النظر في