اللفظ فلا، وكيف وهم يسمون بالملائكة مع أن علامة التأنيث حاصلة في هذا الوجه الثاني: أن تحمل هذه الصافات على النفوس البشرية الطاهرة المقدسة المقبلة على عبودية الله تعالى الذين هم ملائكة الأرض وبيانه من وجهين الأول: أن قوله تعالى: * (والصافات صفا) * المراد الصفوف الصحالة عند أداء الصلوات بالجماعة وقوله: * (فالزاجرات زجرا) * إشارة إلى قراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كأنهم بسبب قراءة هذه الكلمة يزجرون الشياطين عن إلقاء الوساوس في قلوبهم في أثناء الصلاة وقوله: * (فالتاليات ذكرا) * إشارة إلى قراءة القرآن في الصلاة وقيل: * (فالزاجرات زجرا) * إشارة إلى رفع الصوت بالقراءة كأنه يزجر الشيطان بواسطة رفع الصوت، روى أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بيوت أصحابه في الليالي فسمع أبا بكر يقرأ بصوت منخفض وسمع عمر يقرأ بصوت رفيع فسأل أبا بكر لم تقرأ هكذا؟ فقال: المعبود سميع عليم وسأل عمر: لم تقرأ هكذا؟ فقال: أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان الوجه الثاني: في تفسير هذه الألفاظ الثلاث في هذه الآية أن المراد من قوله: * (والصافات صفا) * الصفوف الحاصلة من العلماء المحقين الذين يدعون إلى دين الله تعالى والمراد من قوله: * (فالزاجرات زجرا) * اشتغالهم بالزجر عن الشبهات والشهوات، والمراد من قوله تعالى: * (فالتاليات ذكرا) * اشتغالهم بالدعوة إلى دين الله والترغيب في العمل بشرائع الله الوجه الثالث: في تفسير هذه الألفاظ الثلاثة أن نحملها على أحوال الغزاة والمجاهدين في سبيل الله فقوله: * (والصافات صفا) * المراد منه صفوف القتال لقوله تعالى: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) * (الصف: 4) وأما (الزاجرات زجرا) فالزجرة والصيحة سواء، والمراد منه رفع الصوت بزجر الخيل، وأما (التاليات ذكرا) فالمراد اشتغال الغزاة وقت شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن وذكر الله تعالى بالتهليل والتقديس الوجه الرابع: في تفسير هذه الألفاظ الثلاثة أن نجعلها صفات لآيات القرآن فقوله: (والصافات صفا) المراد آيات القرآن فإنها أنواع مختلفة بعضها في دلائل التوحيد وبعضها في دلائل العلم والقدرة والحكمة وبعضها في دلائل النبوة وبعضها في دلائل المعاد وبعضها في بيان التكاليف والأحكام وبعضها في تعليم الأخلاق الفاضلة، وهذه الآيات مرتبة ترتيبا لا يتغير ولا يتبدل فهذه الآيات تشبه أشخاصا واقفين في صفوف معينة وقوله: * (فالزاجرات زجرا) * المراد منه الآيات الزاجرة عن الأفعال المنكرة وقوله: * (فالتاليات ذكرا) * المراد منه الآيات الدالة على وجوب الإقدام على أعمال البر والخير وصف الآيات بكونها تالية على قانون ما يقال شعر شاعر وكلام قائل قال تعالى: * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) * (الإسراء: 9) وقال: * (يس * والقرآن الحكيم) * (يس: 1، 2) قيل الحكيم بمعنى الحاكم فهذه جملة الوجوه المحتملة على تقدير أن تجعل هذه الألفاظ الثلاثة صفات لشيء واحد وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون المراد بهذه الثلاثة أشياء متغايرة فقيل الرماد بقوله: * (والصافات صفا) * الطير من قوله تعالى: * (والطير صافات) * (النور: 41) (والزاجرات) كل ما زجر عن معاصي الله (والتالي) كل ما يتلى من كتاب الله وأقول فيه
(١١٦)